وصف السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي نفسه في الحلقة التي بثتها إحدى قنواتنا الفضائية الأيام الماضية، بأنه أعقل خصوم الإنقاذ ووصفه برنامج تلفزيوني آخر أعده إعلام حزبه وبثه التلفزيون القومي، بأنه رجل الخلاص الوطني، الذي سيأتي هذا العام على صهوة جواده للحكم للمرة الثالثة، ليستخدم عبارة (شبيك لبيك)، وبيخلصنا من كل المشاكل التي لم يتركه العسكر في المرات السابقة ليقولها خلال سنوات حكمه، ليريحنا من كل مشاكلنا، ويوصلنا لدولة الرفاهية، ونسى المهدي وإعلام حزبه أن المهدي مجرب والتاريخ لا يكذب، بل يؤكد أن المهدي فشل في إدارة البلاد مرتين، وفشل في الانسجام مع التجمع المعارض بالخارج، مثلما فشل في قيادة حزبه بالداخل، وجعله يتمزق، وجعل أنصاره من القوات التي حاربت معه بالخارج، تحتل مركز حزبه العام مؤخراً بأم درمان دون أن يجد لها حلاً مثلما لم يجد حلاً لمشكلات حزبه الأخرى الكثيرة، التي مزقته كما يتأكد من التاريخ بالوقائع والوثائق، أن المهدي لا يُمسك له قول أو يُعتمد له موقف، أو يحفظ له الشعب انجازاً، وإذا ما قارناه في التاريخ القريب مع مولانا محمد عثمان الميرغني، نجد أن الأخير أظهر بعد عودته من المعارضة إعتدالاً وعقلانية واضحة، جعلت مواقفه متجانسة مع نبض الشارع ومتماسكة، فهو من الذين رفضوا قرار الجنائية من أول وهلة، وظل على موقفه حتى الآن على عكس المهدي الذي رفضه في الأول، ثم تراجع وتبناه واتخذ منه مؤخراً شعاراً لمناهضة حملة البشير الانتخابية.. كما نجد الميرغني من الذين وقفوا ضد غزو خليل لأم درمان، وظل على موقفه ذلك، على عكس المهدي الذي رفضه أيام وجوده بالخرطوم.. ولكنه عندما غادر إلى القاهرة التقى هناك بخليل وتحالف معه، وكذلك نجد الميرغني رفض الانضمام إلى أحزاب جوبا، التي لم تحقق حتى الآن شيئاً يذكر بعد اجتماع جوبا، وظل على موقفه على عكس الصادق الذي انضم اليها برغم عدم وجود شئ يجمع بين مكوناتها، وفتح لها دار حزبه، وشارك انصاره في مظاهراتها التي فضحت عدم قدرة المعارضة على تحريك الشارع، كما ظل موقف الميرغني من المشاركة في الانتخابات واضحاً، وأخذ يعد حزبه لذلك، على عكس المهدي الذي ظل يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، لنجده أحياناً معها وفي أخرى مع التأجيل، وفي ثالثة مع المقاطعة، مما يؤكد أن الميرغني يتعامل بذكاء عالٍ في السياسة الآن، لدرجة أنه لا أحد يعرف مع من يريد أن يتحالف، بعد أن رفض ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية بحسابات لم يحسبها الآخرون.. وأكدت زياراته للولايات أنه يتمتع بشعبية كبيرة، إذا ما تحالف مع الوطني الأقرب منه بمواقفه التي ذكرناها، سيربك الأوراق وسيدخل تحالف جوبا في هزيمة قاسية.. فهل يتحالف الميرغني مع الوطني أم سيدخل الانتخابات منفرداً؟ الوقائع تقول إن الميرغني قريباً من الوطني إلا أن ترشيحه لقوائم مرشحيه بما فيهم مرشحه للرئاسة وعدم سحبهم حتى الآن، مع عدم التنسيق مع حزب آخر، يشير إلى أن الميرغني ربما يعد لمفاجأة في اللحظات الأخيرة، قد تكون في صالح الوطني وقد لا تكون.. عموماً أن الرجل تعامل في جانب الانتخابات، كما قال أحد الظرفاء ( ببطن غريقه)، وهذه أيضاً من الذكاء السياسي الذي اكتسبه الميرغني وتعلمه من التجارب التي لم يتعلم منها كثيرون ممن يكررون أنفسهم في كل مرة، وفي كل تجربة، ولا شئ يتغير فيهم إلا آثار السنين على الوجوه، بينما الأقوال هي الأقوال دون أن تؤكد الأفكار والأفعال، إن الشيب قد جاء بجديد للرؤوس غير لونه.