أجرى السيد محمد عثمان عمر حواراً مع الدكتور عبد الوهاب الأفندي بصحيفة الأحداث بتاريخ 22/4/2010م حول الانتخابات في السودان تحت عنوان: (لو اكتسح الوطني الانتخابات بدون تزوير فإن السودان الذي نعرفه اختفى)..! ومع إن د. الأفندي يقر بأنه توقع قبل شهور فوز المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بالانتخابات، لأن اتفاقية السلام صممت لتحقيق هذا الهدف، ولكن ما لم يصدقه د. الأفندي هو الفوز الكاسح الذي حققه المؤتمر الوطني في هذه الانتخابات، وذهب للقول (بإن المؤتمر الوطني أدار هذه الانتخابات بطريقة حرب الخنادق، التي تقوم على عدم التقدم إلى الخطوة الأخرى، إلا بعد التأكد من ضمان الخطوة السابقة، وأن الذي قام بهذه المهمة هو نافع لخلفيته العسكرية والأمنية، ولم تسلم لقيادي آخر معروف بالقدرات السياسية، وإن نافع أكمل المهمة ورفع التمام للرئيس، لكنه زود الأمور حبتين). أنه لمن المؤسف أن يفارق الأفندي معيار المهنية الأكاديمية، ويجنح إلى أساليب الإيحاء الخبيث، بأن المؤتمر الوطني أدار العملية بعيداً عن السياسة، وبالخلفية العسكرية والأمنية، أي بمعنى إنه أدارها بعقلية التزوير، وأن التمام بالتزوير قد رفع للسيد الرئيس، أي بخبث آخر، أن التزوير قد تم تحت قيادة السيد الرئيس. إن الغرض مرض كما يقولون، فلقد تعمد د. الأفندي تجاهل الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، وهي أن الذي قاد المؤتمر الوطني لهذا النجاح الكاسح والمبهر، وأدار حملته الانتخابية باسلوب سياسي فريد هو السيد المشير عمر حسن أحمد البشير شخصياً، ولا أدري أين كان د. الأفندي..؟ ألم يتابع الحملة الانتخابية الضخمة التي قادها السيد الرئيس بنفسه، والتي جاب خلالها كل أنحاء السودان غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، على مدى إثنين وخمسين يوماً لم يذق خلالها طعماً للراحة، خاطب خلالها ستة وخمسين لقاءً جماهيرياً، ألم يشاهد د. الأفندي خلال الفضائيات، كيف تدافعت جماهير هذا الشعب بمئات الألوف لاستقبال السيد الرئيس والترحيب به في كل موقع زاره، وكيف تجاوبت تلك الجماهير بشكل غير مسبوق مع حملة السيد الرئيس، ومنحته التأييد قبل أن تبدأ الانتخابات.. إن تلك الحملة السياسية الضخمة التي قادها السيد الرئيس خلال الانتخابات - لو يدري د. الأفندي - هي التي أربكت حسابات الأحزاب السياسية المعارضة، وأخافتها وجعلتها تراجع حساباتها، وتوقن أنها لن تستطيع أن تحقق أي نجاح في هذه الانتخابات، ومن الأفضل لها أن تحافظ على رصيدها الماضوي، بعيداً عن الاختبار، ومن ثم خرجت للملأ بالمسرحية الهزيلة بمقاطعة الانتخابات، بحجة تزوير مزعوم قبل أن تبدأ العملية الانتخابية، ولحق بهم آخرون بالانسحاب بعد أن أظهرت النتائج الأولية اكتساح المؤتمر الوطني للانتخابات.. وأصبحوا يرددون مثل أخوانهم مقولات التزوير بعد أن كانوا قبل يوم من بدء الفرز يشهدون بعدم وجود تزوير، بل ويمنون أنفسهم بالكسب وقيادة المعارضة في البرلمان القادم. لقد ذكر د. الأفندي أنه لا يصدق أن كل هؤلاء الناس صوتوا للمؤتمر الوطني، وأصعب منها تصديق أن المعارضة في معاقلها المعروفة لم تحصل على أصوات.. وأن الأمر الذي يصعب تفسيره بالنسبة له أن المجتمع السوداني تغير وأنقلب.. ونرد على د. الأفندي بتأكيد أن المجتمع السوداني قد تغير تغيراً جذرياً، نتيجة للانجازات الضخمة والمحسوسة التي حققها نظام الإنقاذ على مدى عشرين عاماً، هذا إلى جانب أن الشعب وجد في قائد الإنقاذ الزعيم الذي طال البحث عنه ليقود مسيرة البلاد في مدارج العزة والكرامة والنهضة الشاملة، ولذلك منحه تأييده بشكل لم يمنحه لأي قائد سياسي آخر في تاريخ السودان السياسي الحديث. لقد كان أجدى لدكتور الأفندي كباحث سياسي، أن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى رفض الختمية للانصياع بشكل جماعي للميرغني، الذي طالبهم بالتصويت لحزبه، كما أن الشيخ الجعلي في بربر لا يسمع كلامه. نقول لدكتور الأفندي نعم، لقد أختفى السودان القديم بعد أن اكتسح المؤتمر الوطني الانتخابات في الجزيرة أبا، وفي كسلا، وفي حلة خوجلي وفي كدباس، وفي كل مكان يخطر ببال د. الأفندي، ونرجو منه الخروج من أسر الماضي، ودراسة نتائج هذه الانتخابات، بشكل معمق بعد إعلانها رسمياً، فستثبت له هذه النتائج أن هناك تحولات كبيرة قد حدثت في المجتمع السوداني، وهذه سنة الحياة، وإن هناك قطاعات واسعة من الشعب السوداني وأجياله الجديدة، قد اختطت لنفسها ثقافة سياسية جديدة، لا علاقة لها بالمؤثرات التي كانت تتحكم في السياسة السودانية في الماضي، وما على مراكز الأبحاث المتخصصة ومعاهد العلوم السياسية إلا دراسة وتحليل نتائج الانتخابات التي أجريت في السودان، بمهنية عالية ومتجردة، للمساهمة بدورها في ترسيخ الممارسة الديمقراطية في البلاد وتجويد ممارستها في المستقبل بما يتناسب مع السلوك الحضاري الذي أظهره الشعب السوداني خلال هذه الانتخابات.