رغم عدم رضائي واعترافي بنتيجة الانتخابات التي جاءت بالأستاذ محمد الشيخ مدني وأعضاء مجلسه الجديد ومن قبلهم الوالي السيد عبد الرحمن الخضر- ورغم ذلك فإنني ساحاول مكرهاً القبول بالأمر الواقع، وأن أقبل بقضاء الله وقدره لأن الحكم من عنده وحده.. إني أرغب في مخاطبة الأستاذ محمد الشيخ مدني وأمري لله، ولابد لي من تهنئته بولايته الجديدة ورئاسته لها، وهي ولاية لي فيها نصيب الأسد أهلاً ونسباً وتراباً، ولذلك فإن أمرها يهمني وسأظل أدافع عنها ما ظللتُ على قيد الحياة ولن أرضى لأهلها الظلم والضيم، ولهذا فقد تعجلت بمخاطبة محمد الشيخ مدني وأعضاء مجلسه الموقر، مناشداً لهم أن تكون بداية دورتهم مراجعةً للقوانين السابقة، وبأن تأتي القوانين الجديدة وفيها الإنصاف التام لأهل ولاية الخرطوم الأصيلين، وخاصة أهل الأرياف شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً بكل أسمائهم وقبائلهم المعروفة من أهل الوجود التاريخي. وأقول: إن الأستاذ محمد الشيخ مدني ورغم ما كان بيني وبينه من سجال عنيف على صفحات آخر لحظة وغيرها من الصحف، فقد ظل ودوداً معي لدرجة كبيرة وكلما نلتقي.. وكنَّا أصدقاء ولم يحدث بيننا خلاف، وهذا دلالة على رُقي فهمه بأن ما بيننا قضية عامة وليست قضية شخصية، وفي آخر لقاء لي مع محمد الشيخ، وقد كان بقرية كدي وفي يوم الاحتفال بتكريم ابن الجموعية ود الجبل وكان قد حضر محمد الشيخ وبرفقته الأستاذ عبد الله عبيد، وعندما شاهدني اتجه نحوي هاشاً باشاً وأخذني بالأحضان وأصرّ أن يجلس بجانبي وابتدر بالحديث الطيب.. وقد لفت هذا نظر الذين لا يحبون أن يسود الود بين البشر وقال محمد الشيخ لي «إن شاء الله رضيت» وهو يقصد رضائي بسياسته في الأراضي، والتي ظل يحرص على تطبيقها بموجب قانون أسماه لائحة تنظيم الأراضي بولاية الخرطوم، وهو قانون- ورغم الإبتداء في تطبيقه- ولكننا نعلم بأنه لم يتم أجازته من المجلس التشريعي، لأن أعضاء ذلك المجلس ما كان يهمهم قضايا من يمثلونهم بل كانوا يطبقون سياسة وزير الإسكان، والصمت عن تصرفاته الخاطئة ضد أصحاب الخيارات وأصحاب الملك المسجل مثل أراضي الفتيحاب، دون استشارة أهلها، وهذه المعلومات عن الأخطاء السابقة نهديها للسادة الأعضاء الجدد الذين أدوا القسم. ونقول لهم إن هذا القسم يُلزمكم بالوقوف مع حقوق من انتخبوكم.. وحديثي أعني به الأستاذ محمد الشيخ مدني في المقام، وأقول بصدق ورغم اختلافي مع الرجل في سياسته وقوانينه التي كان يريد تطبيقها على قوم يهمني أمرهم، ولكني أشهد له بأنه رجل طيب القلب وصافي السريرة.. وهو لم يقصد ضرر الآخرين كما كنا نقول عنه، ولكن في الرجل طبيعة قالها عنه أستاذ زامله في وزارة التربية.. قال عنه إنه لا يقبل التراجع عن راية حتى ولو كان خاطئاً ولا يقبل الهزيمة، وقطعاً هذا عيب لا نرضاه له، ولذلك وكما قلت وعندما قابلته في كدي قال: إن شاء الله رضيت و قلت له نعم رضيت تماماً، وأسباب رضائي فقد سألت عن زيارة السيد الوالي للجموعية قبل أيام فعلمت بأنها قد كانت زيارة طيبة، وقرر فيها إعطاء أهل الجموعية حقوقهم كاملة في أراضيهم ولهذا السبب فإني أصبحت راضياً.. وقال محمد الشيخ «أنا أيضاً قد أعطيت أهل الجموعية أراضيهم وسلمتهم بها شهادات بحث».. وقلت له وهنا كانت المشكلة وفي شهادات البحث وإذا أخذنا كمثال قرية كدي التي نحن بها الآن.. وفعلاً تم تسليمها شهادة بحث.. ولكن وعندما جاء المساح لتحديدها على الطبيعة.. فقد كانت النتيجة بأن دار «أكمل محمد ناصر» خارج الخريطة وخارج مساحة الشهادة ولم يخالفني محمد الشيخ مدني.. وأجاب نعم ولكنهم أصلحوا الخطأ، وفي هذه الجلسة وجدته بأنه لازال على إصراره وعلى تنفيذ بنود « لائحته الظالمة».. ومعها ستضيع حقوق أهل ولاية الخرطوم الأصليين، ولذلك قد كان هناك رفض ومقاومة لها- وأردت العودة لتلك القضية لأننا بصدد حكومة جديدة، ورغم أن رئيسها أيضاً محمد الشيخ مدني، ولكني أتوقع منه ومن أعضاء مجلسه الجديد بأن يكونوا أكثر رحمة وأكثر عدالة من الذين سبقوهم.. ومع احترامي لهم.. ولكن مواقفهم قد كانت سلبية بدرجة مؤسفة وقد كانوا يشاهدون الكراكات تهدم وتزيل منازل مواطنيهم وهي محروسة بقوات الشرطة، دون أن يكون لهم أي موقف.. وأعضاء المجلس التشريعي الجديد أعرف الكثيرين منهم، وفيهم من هم أحرص مني على حقوق أهلهم في كل موقع من أرياف ولاية الخرطوم وسيكونون حريصين على عدم تمرير أي قانون يدعو لسلب أراضي وحيازات المواطنين التاريخية.. والذي يدفعنا للاطمئنان أكثر وأكثر أن ربان سفينة الولاية عبد الرحمن الخضر قد سمعته وهو يوعد المواطنين بالريف، في أيام الحملة الانتخابية، بأنه ضد أي قانون يسلب حقوقهم.. وكان السيد الوالي يؤكد على رفض اللائحة.. وفي الاحتفال بتكريم ود الجبل جاء بالنيابة عن الوالي الشيخ أبو كساوي معتمد أم درمان، وسمعتُه بشر أهلنا في الجموعية بأن الوالي «قال لكم لن يصيبكم أي ضرر في أراضيكم» والآن أنا قد قصدت الاستعجال بمخاطبة المجلس التشريعي الجديد وقبل تحديد جلساته للنظر في قوانينه السابقة واللاحقة بأن يكون هناك حرص في الحفاظ على حقوق أهل ولاية الخرطوم وأعنى بهم سكان الأرياف الأصليين الذين لا يملكون غير هذه الأراضي وفيها معاشهم ومرعاهم وتحطيبهم ونأمل أن يكون هناك قانون يبعد أرياف الخرطوم وقراها أن تكون خاضعة لما يسمى بالعاصمة القومية ووقف الزحف السكاني نحو هذه الأرياف، وإن كانت هناك ضرورة فيجب محاولة إبعادها عن القرى.. وإن كانت هناك ضرورة لمصالح قومية فيجب أن يتم تعويض المواطن التعويض المجزي.. ولا يفوتني أن أذكِّر السيد والي الخرطوم بأن أهل هذه الأرياف وقفوا مع مرشحي المؤتمر الوطني حتى الذين لا يستحقون، وكل هذا خوفاً على أراضيهم وليس هذا قناعة بمبادئ.. ولهذا أرجو أن يُكافى هؤلاء، وآمل تكذيب سوء ظني فقد قلت لبعض هؤلاء وبعد الانتخابات «يامتشوفوا شوف» لأن تلك الأحاديث قد كانت دعاية انتخابية، وأسال الله تكذيب هذه المقولة وهي إذا صدقت قدر الله ستكون النتيجة مؤسفة.