رهن غلاة المتطرفين داخل الحركة الشعبية أمر وحدة الوطن الواحد ب«العلمانية»، أي الوحدة مقابل العلمانية، ولهم أن يفكروا كما يشاءون، لكنهم في نهاية الأمر لا يعبِّرون إلا عن ذواتهم الفانية، ونحن نعلم أنهم قِلَّة قليلة لكنها قابضة - بيد من حديد- على السلطة والثروة والسلاح في مواجهة شعب أعزل لا حول له ولا قوة أمام الجبروت والطغيان ومصادرة حق الآخر في التعبير عن ذاته ورأيه ومواقفه. والمؤتمر الوطني الذي حاز على ثقة الناخبين يسعى لكسب ود الحركة الشعبية، وهي لا تستحق ذلك السعي في ظل بعض القيادات المتطرفة التي لا تفكر بحكمة ولا تتصرف بعقل. الناخب الذي منح صوته للمؤتمر الوطني ينتظر منه إكمال برنامجه الذي قدمه خلال الانتخابات، كحزب «فائز» لا كحزب يسعى للائتلاف عن طريق الترضيات والتنازلات غير المجدية، مثلما في حالة الحركة الشعبية التي تريد الفوز بحكم الجنوب وثلثي الشمال من خلال وجودها داخل مجلس الوزراء الجديد. قد يقول قائل إن هذا هو ما نصَّت عليه اتفاقية السلام، وهذا الحديث ليس صحيحاً على إطلاقه لأن الاتفاقية ألزمت الشريكين بالوصول إلى محطة الانتخابات ثم الاستفتاء.. والذي يحقق أعلى الأصوات وينال ثقة الناخبين هو الذي يشكل الحكومة... ولذلك يمكن أن يكون هناك تساؤل مشروع يطرح نفسه بجرأة على الساحة ، وهو ما الذي كان سيكون عليه الحال لو فازت الحركة الشعبية بنتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية، وما هو الوضع السياسي وشكل الحكومة الجديدة لو فاز أي مرشح آخر غير مرشح حزب المؤتمر الوطني.. وما الذي كان سيكون عليه الوضع إذا اكتسحت أحزاب المعارضة الانتخابات وفازت بأغلبية مقاعد البرلمان..؟! مؤكد إن الأمر سيكون مختلفاً لأن الحركة وبقيّة الأحزاب حددت هدفاً مشتركاً هو إسقاط المؤتمر الوطني وإبعاده عن مقاعد الحكم. الآن برزت أصوات عالية تعبِّر عن إرادة قطاع كبير من الناخبين تنادي بأن يتحمل المؤتمر الوطني مسؤوليته كاملة في تشكيل حكومة تعبر عنه وعن برنامجه الذي قدمه دون إشراك آخرين.. ويتساءل الآن كثيرٌ من المراقبين إن كان المؤتمر الوطني سيفعلها ويعلن حكومة من عضويته فقط دون الآخرين..(!).. وهذا أمر غير مستبعد الآن في ظل المواقف المتناقضة لبعض الأحزاب في المشاركة أو الامتناع، أو في ظل الإملاءات غير المنطقية لكسب غير مستحق أصلاً يجيئ كأنما هو إلتفاف على طرح سابق ومرفوض، وهو تشكيل «حكومة قومية» تريد أن تجيئ إلى السلطة ولكن دون انتخابات.