من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الحركة الشعبية بعد أن تحولت من حركة نضالية تبحث عن حقوق ضائعة لمواطني الجنوب، إلى حزب سياسي منظم يناضل أيضاً من أجل تنمية إنسان الجنوب وتوفير الخدمات المتنوعة له ونقله من حالة التقليدية إلى الحداثة وتضييق الهوة السحيقة بينه وبين إنسان الشمال.. وبدلاً من أن يركز منسوبوها من أجل تحقيق أهداف إتفاق نيفاشا للسلام وأهم ما جاء ببنود إرساء معالم التنمية والعمران في ربوع الجنوب ولا جدال في ذلك، فقد استلمت الحركة الشعبية كل المخصصات في قسمة الثروة لتحقيق هذا الهدف، لكن عدداً من قيادات الحركة جماعة مثيري الجدل وإشعال الحرائق مع المؤتمر الوطني شريك اتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية، سعوا جاهدين لإفساد العلاقة بين الشريكين مدعومين من قوى داخلية متمثلة في أحزاب المعارضة، وقوى خارجية لا تريد أن ينعم السودان بالهدوء والاستقرار السياسي لتعطيل مسيرة التنمية التي بدأت منذ تدفق البترول الذي عجزت عن استخراجه كل الحكومات السابقة منذ أن نال السودان استقلاله، بل عجزت هذه الحكومات أيضاً عن استغلال الإمكانات المتاحة من ثروة مائية وأراضٍ زراعية خصبة، وثروة حيوانية ومنتجات زراعية. ومنذ توقيع إتفاق نيفاشا للسلام الذي بموجبه حددت قسمة السلطة والثروة- عكف بعض سياسيي الحركة الشعبية على كيل الإتهامات تلو الإتهامات للمؤتمر الوطني على أنه شريك لم يفِ بالتزامات الإتفاق.. وأنه سبب عدم بدء التنمية في الجنوب.. لكن الواقع ومجريات الأحداث تكذب هذا الزعم وأن الأموال المخصصة لتنمية الجنوب استلمت، لكن التنمية والتطوير والتغيير والنقلة النوعية لم تجد طريقاً للجنوب وما زال الإنسان الجنوبي في حالة يرثى لها، بل أصبحت الحالة أسوأ مما كانت عليه قبل إتفاق نيفاشا.. وتساءل الكثيرون أين ذهبت مخصصات التنمية؟.. لم يجد السؤال جواباً حتى الآن، وحتى القائمين على أمر الجنوب يعرفون ولا يتكلمون.. وهذا الموضوع أيضاً محل نقاش وجدل بين أوساط الحركة الشعبية، ومع الأسف فإن الحركة الشعبية برغم هيمنتها على الجنوب بكل ولاياته، تعاني من أمر خطير لا تستطيع محاسبة أحد لغياب القانون. الآن نحن تخطينا مشهداً وحدثاً مهماً يتوقف عليه مستقبل السودان عملية الانتخابات كما جاء في منفستو الحركة الشعبية، فكان سبب نضال الحركة هو الوصول إلى السودان الحديث.. فازت الحركة بالانتخابات وكان من المفترض أن تتجه لرسم صورة السودان الحديث سودان المستقبل.. لكن الحركة الشعبية اخطأت خطأ قاتلاً عندما سمحت لبعض رموزها المثيرة للجدل، بمعاداة شريك الحكم المؤتمر الوطني.. وسكتت على تصريحاتها التي تصب في زرع الفتن والاتجاه نحو تمزيق الوطن إشباعاً لرغبتهم الشخصية، وكان من أكبر أخطاء الحركة أيضاً أن سمحت لصقورها بأن يصدروا أيضاً من التصريحات التي يفهم منها أن بعد الفوز بالانتخابات سوف يحكمون السودان شماله وجنوب، ولا غرابة في أمنياتهم وأحلامهم وكل إمريء له أن يحلم ويتمنى ويتطلع وأن يكون طموحاً.. لكن الحركة الشعبية لم تفكر مرتين قبل أن تترك العنان لمثيري القلاقل وغاب عنها أن مصلحة الجنوب أن تكون تحت مظلة السودان الواحد الموحد بصرف النظر عن الأطماع الشخصية التي يجري وراءها البعض، علماً بأن صورة الجنوب ثابتة في مخيلة الشعب السوداني وأن الحركة الشعبية طيلة سنوات كفاحها ضد الشمال كانت جزءاً لا يتجزأ من السودان. عموماً نقول.. لكي تصحح الحركة أخطاءها الفادحة، يجب التفكير بعقلانية في موضوع الاستفتاء وكيف يكون حال الجنوب بعد الانفصال.. وكيف سيواجه التحديات المحلية والإقليمية.. وكيف تستطيع حكومته السيطرة على القبلية التي بدأت تكشر عن أنيابها في مناطق تماس القبائل، كذلك تحسب حسابات الربح والخسارة، فالمهتمون بالشأن الجنوبي يقولون إنه في حالة فشل الحركة الشعبية في إحكام قبضة السلطة على التناحر القبلي الذي ينفجر بين الحين والآخر لن يستطيع الجنوب العيش في استقرار وأمان، وسيكون عرضة للأطماع من دول الجوار طمعاً في خيراته وثرواته، لذا فمن الأفيد له أن يكون كما هو موحد مع الشمال.. لأنه مهما يكن إن الشمال هو الدرع الواقي للجنوب وحائط الصد له من كل مخاطر أو مهددات يتعرض لها.