يقول الكاتب خالد التجاني النور في مقاله «نص رأي» المنشور في جريدة «الصحافة» الصادرة في 8 مارس بعنوان «في التعريف بتحولات الربيع وصعود الإسلام الليبرالي» مايلي: «ربما الأوفق اصطلاحاً وصف التحولات المهمة التي شهدتها العديد من البلدان العربية على مدار العام المنصرم بأنها انتفاضات، وإن إطلاق وصف ثورات عليها يقع على عاتق التاريخ حين يقيم مردودها ومدى نجاحها في إحداث تغييرات جذرية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا تحقق قطيعة كاملة مع الواقع الذي سعت إلى تغييره». أما السيد ماجد كيال فإنه مصر على أن ما حدث هو ثورات ويتساءل إذا لم تكن هذه ثورات فما هي الثورات إذا؟، ونقول ردا على هذا التساؤل بالإضافة إلى ما ذكره الكاتب خالد التجاني النور، إن الاختلاف بين الثورة والانتفاضة أو الهبات الجماهيرية هو أن الأولى تتم عن طريق تغيير النظام الحاكم بالقوة أما الثانية فيتم فيها التغيير سلميا، ويواصل ماجد كيال الحديث عن هذه الثورات فيقول:»إنها جاءت من نقطة الصفر تقريبا»،وهذا غير صحيح لأن الجميع يعلم إن ما تم في مصر وليبيا واليمن لم يكن عفويا فلقد خطط له خارجيا بواسطة أمريكا ودول أوروبا وبعض البلدان العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، وداخليا في مصر فقد خطط لها مع الجيش والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني و شباب الفيس بوك وشخصيات مصرية عالمية ذات صلة بأمريكا وأوربا الخ، ولم يمنع تكوين هياكل لهذه الانتفاضة في مصر إلا التطلع من قبل قياداتها ومن كل الفئات المكونة لها بما فيها القوات المسلحة بالإضافة لاحتفاظ كل طرف بأجندته الخفية، ونتفق مع الكاتب بأن «الأنظمة القديمة في تلك الدول قد عوقت قيام الدولة الديمقراطية الحديثة وكذلك تحقيق الاندماج المجتمعي ولم تسمح للفرد بأن يكون حرا وواعيا لذاته ومواطنته مما طمس مفهوم المواطنة وسلبت إنسانيته وامتهنت حريته وكرامته». وعلى كل حال فإن أغلب المتابعين لهذه الانتفاضات لم يتوقعوا أن تكون نموذجية ولكنهم أيضاً لم يتوقعوا أن تكون نواتجها انتكاسة في كل المجالات وعلى الأخص في المحاور الأربعة سالفة الذكر على أنه يمكن اعتبار هذه المرحلة مرحلة انتقالية يجب أن يمارس فيها النقد والنقد الذاتي للمساهمة في تقويم الممارسة، ونوافق الكاتب بأن الثورة تنطلق لتغيير الواقع القائم وتنتج نقدها أيضا.وأخيرا نختلف مع الكاتب في مفهومه عن الثورة، فليس مجرد نزول الناس في بعض البلدان العربية إلى الشوارع تحت شعار الشعب يريد يعتبر ثورة في حد ذاته وإن تحقيق الأهداف السياسية وباقي مستلزماتها يجب أن يأتي أولاً وليس فيما بعد. أما تداعيات الربيع العربي فهي متعددة تبدأ بحالة التوهان وعدم التوافق والتشرذم كما هو حادث في تونس ومصر واليمن وليبيا. أما عن العراق فإن أمير المفرجي يقول: «تتفق الأغلبية الساحقة من العراقيين» في الرأي «على فشل الأحزاب السياسية العراقية التي جاء بها الاحتلال لتحكم البلاد وتحقق أهداف الشارع العراقي في الوحدة وإعادة بناء مجد العراق». وفي سوريا وهي حالة خاصة يريد الإسلاميون توليد الثورة عن طريق عملية قيصرية بأيدي جراح فاشل، ورغم أن الحراك في الأردن والمغرب والجزائر قد اكتفى باستجابات جزئية من قبل أنظمة الحكم القائمة فإن إسلاميو الجزائر يتحرزون ويخافون من الفشل وعدم تحقيق النجاح كما حدث في تونس بسبب الجمود وتخلف الفكر السياسي عند كل من عباس مدني وعلي بالحاج زعيمي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في الجزائر ولذلك دعوا لمقاطعة الانتخابات المصيرية والتي سوف تجرى في مايو القادم. أنقل للقارئ الكريم ما كتبه الأستاذ أمير بابكر عبد الله في صحيفة «الأحداث» الصادرة في 15 مارس الحالي يصف فيه العقل السياسي السوداني: «مظاهر العقل السياسي الجبان تتمثل في وصف المواقف المعتدلة والمتمسكة بالحد الأدنى من المبادئ والحقوق والكرامة، التي تعتبر وسطية في أي بلد طبيعي، بالتشدد والتنطع والتطرف والتهور ومن ضمن خصائصه الواقعية السلبية، ومن ثوابت العقل الجبان، كل فكرة لست صاحبها فاسدة، كل أيدولوجيا لا أعتنقها أفسد، كل مبادرة لست صاحبها تحارب، كل مشروع لست من المبادرين به يجهض، كل عمل لا أتحكم فيه خطر داهم، كل دائرة لست مركزها لا دارت ولا ارتكزت». واقسم بالله العظيم إنني لم أجد توصيفاً دقيقا «للأنا السودانية» خير من هذا الوصف ولا تفسير منطقي للحالة السياسية السودانية أحسن منه ولمزيد من شرح هذا الموضوع أنصح القارئ بقراءة مقالي محمد عبد الماجد عن الإمام الصادق المهدي وعبير عبد الله عن الأحزاب السودانية في نفس العدد. ونعود لمقالة الكاتب خالد التجاني والتي يبرر فيها انتصار وتفوق الإسلاميين في الانتخابات التي جرت في كل من تونس ومصر والمغرب بأن الربيع العربي قد مثل بحق طوق النجاة لحركات الإسلام السياسي، وزاد بإعطائها فرصة تاريخية نادرة للإسهام في تشكيل واقع جديد يكسب هذه الانتفاضات معنى الثورة الحقيقية القادرة على التغيير، ونحن بعد كل الذي يقال عن التفاؤل المفرط في طريقة إدارة الإسلاميين للحكم مستقبلا نقول كما يقول الفرنجة: Let us wait and see. لأن تجارب الإسلاميين في الحكم والأمثلة المعاشة تطعن في مصداقية هذا التفاؤل!، وأضيف أن فوزها في هذه الانتخابات لم يكن بسبب تضحياتها الكبرى في عهد الأنظمة القهرية، فكل الطيف السياسي في المجتمع المعين قد ساهم بتضحيات قد تكون أكبر من مساهماتهم بدليل أنهم لم يشعلوا فتيل الثورة ولم يشاركوا فيها إلا بعد أن تأكدوا من نجاحها ، ليس ذلك فقط بل كانوا ولا يزالوا الأكثر تنظيماً ومالاً من الآخرين ولم يفوزوا إلا بعد دغدغة مشاعر المسلمين والحديث عن أن كل القضايا والمشاكل المعقدة التي تواجهها مصر ستحل عند تنفيذ شعار (الإسلام هو الحل)، ونوافقه بأن تنفيذ الأجندة المستقبلية و إرساء الأسس لنظام جديد لا يتحقق إلا في إطار توافقي أوسع يشمل مكونات المجتمع المدني بأكملها. ويتفق معنا في هذا الرأي السفير عبد الله عمر في مقاله المعنون «إضاءة على بعض ملامح وتداعيات الربيع العربي» المنشور في جريدة الصحافة الصادرة في 5 مارس الحالي إذ يقول: «وما حصلت عليه الجماعات الإسلامية من كسب في الانتخابات التي أعقبت ذاك الحراك ربما مرده إلى أفضلية نسبية في التنظيم العملي أكثر منه جائزة ومكافئة لقيادتها الحراك الشعبي»، وهنالك سبب آخر إذ يقول الكاتب: «لا شك أن الحجة السياسية بقبول توجهات وتوجيهات العالم الغربي هي المصلحة المشتركة المتمثلة في تغيير وتبديل ما هو دكتاتوري وشمولي بالحرية و الديمقراطية ولذلك قبلت بالفكر الليبرالي الغربي ومصطلح الدولة المدنية وخيار الديمقراطية آلية للتنافس وتحديد أنصبة المشاركة، وربما ذهبت بالأمر لحدود تبني نظام التمثيل النسبي في البرلمان القادم الذي يمنح كل القوى السياسية والفكرية نصيبا في التمثيل في البرلمان». ولاشك أن المستقبل القريب وحده هو الكفيل بأن يكشف عما إذا كان الربيع العربي هو فقط فصل من أشواط التنافس بين قيادات لجماعات فكرية وسياسية ساحتها وأدواتها أنظمة الحكم أم أنه بداية تحول اجتماعي شامل وهل ستسمح شعوب المنطقة بهذا التطور السياسي العشوائي والبطيء أم ستسعى لخلق ما يسمى بالفوضى الخلاقة بديلا لهذا الوضع الساكن بلا حراك وكأنه مياه راكدة طال عليها الزمن.