ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حميد.. النُّورُ يخرجُ من هنا : تغرز ضريعات الحروف ينشف مراح الأمسيات
نشر في الأحداث يوم 29 - 03 - 2012

هذه بعض كتابات... كانت لنا في حضرة الشاعر الراحل محمد الحسن سالم حميد.
كان لنا أن نقالد (الصباحات) بمفردته المتحركة.. وأن نجادل بأفكاره الشعرية... وأن نتنفس (الحرية) اعتباراً بنصوصه.
أحسب أن المثقفين في هذه البلد... ارتفعوا درجات بتداول دواوينه.. ونهضة أمتنا كلها بفضل قصائده الدافئة الممطرة (ربيعا).
لم أجد شاعراً يعتز بمفردته... كما يعتز حميد.. المفردة عنده جزء أصيل من أناقته.. جزء من هندامه التقليدي.. (العمة والجلابية والملفحة).
أعتقد أننا لو لم يكتب لنا أن نعاصر حميد لحسبنا أن شعره (أسطورة).. مثل الأساطير اليونانية القديمة.
دعونا اليوم... أتجول بصحبتكم في شوارع وحلاَّل قصيد محمد الحسن سالم حميد.
محمد الحسن سالم حميد شاعر حرَّر (المفردة) من مقاعدها التقليدية والروتينية ومضي بها بعيداً برفقة (فكرة).. يقال عنها مجازاً (فكرة مجنونة)... حميد جعلنا جميعاً في حالة من حالات الإندهاش الفكري.. وهي حالة لا تحدث إلا عندما تتناول نص (حميدي).
الإعلام على وجه عام يقصر مع شعراء الشمال.. الذين جاءوا بمفردة خاصة بهم.. وكادوا كذلك أن ينفردوا بحنين خاص بهم وبأرضهم وبيئتهم التي منحتهم خاصية (الأرض) فجعلت رائحتها على قصائدهم.
حميد من الذين تشتم رائحة التراب في مفردته.
شاعر مثل محمد سعيد دفع الله الذي جعل (الطيف) يتشكل في الأغنية السودانية بقوة وبشخصيته رغم نفوره.. ورغم أنه (خيال). يستحق أن نكتب عنه وان نتوقف.
لم أشاهد (طيفاً) بهذا العناد الذي وصفه محمد سعيد دفع الله.
وشاعر آخر مثل السر عثمان الطيب... عفَّر الحواس ونقَّب فيها... جدير بالكتابة عنه وعن قصائده النبيلة.
وشاعر مثل سيد أحمد عبد الحميد كتب (يا رمال حلتنا زولاً كان بريدك يا حليلو) يستحق أن يعطي حقه... أن نمنحه جزء بسيط على ما أعطى من أغنيات رائعات تنفذ للقلب قبل أن تنفذ للأذن.
وقبل أولئك يأتي حسن الدابي ويأتي صاحب أشجان الشيخ العاشق.
ثم يأتي جيل الشباب بقيادة خالد شقوري والفاتح إبراهيم بشير ومحمد سفلة وغيرهم من الشعراء الذين أضافوا لشعر الشمال رغم عطاء من سبقهم الكبير والمدهش.
محمد الحسن سالم حميد ربط بين القديم والجديد.. وكان هو محطة وسطى تجمُّع بين الحداثة والإرث.
يجمع في مفردته بين البدو والحضر... الريف والمدينة.
لا تستطيع إذا نظرت في قصائد محمد الحسن سالم حميد أن تتجاوز هذا التجني الذي يعتبر أبلغ ما صدر في (نكران الجميل).
مرة شافت في رؤاها
طيرة تاكل في جناها
حيطة تتمغَّي
وتفلّع..
في قفا الزّول البناها
في جنينة سيدي
سمعت..
شتلة تصقع لي الرواها
قلنا من قبل إن كلمة (تتمغَّي) فعل امتداد حركي... لكنه مع حراكه هذا يوحي بالكسل.. وعادة ما يكون (التمغِّي) بعد (سكون).. والحيطة ساكنة... لكنها تمغَّت من أجل أن (تفلّع).
(التفليع).. فيه عشوائية أكثر من (الجديع)... وفيه كذلك (غل) أكبر وهذا يتناسب تماماً عن قصد (القفا).
كذلك يحفظ لكلمة (تصقع) قوة الأثر والفعل.
لي غبار الحال
تفتش
فوقو للآمال
ترش
نورا...
تقعد صاحي تحلم..
بي بيوت
بي نور ودش
وبالمحبة تشق دروبه..
ولي قلوب الكل تخش
هذا كل الذي كانت تحلم به (نورا).. بيوت «بي نور ودش».
لكن مع هذا الحلم البسيط... تعالوا شوفوا بماذا تحلم (نورا).
نورا...
تحلم
بي وجود
ما مشت بينو القيود
أفضل
أفضل
بي الكتير
بي وطن من غير حدود
هذا يثبت أن إنسان هذا الوطن... رغم بساطة حلمه.. إلا أن أحلامه تمتد بعيداً من أجل التحرر من القيود.. والخروج الى أفق بعيدة.
تلك هي القضية التي نقصدها.. وذاك هو (الهم) الذي ظل محمد الحسن سالم حميد يطرحه في كل قصائده.
نورا
تحلم
بي عوالم
زي رؤى الأطفال
حوالم
لا درادر..
لا عساكر..
لا مظاليم
لا مظالم
هذه أحلام بدأت (بي بيوت بي دش ونور).
محمد الحسن سالم حميد في قصائده دائماً ما يجنح الى (فلسفة) تثير الدهشة من خلال تناقضاتها أو تنكراتها.. هو يأتي بأشياء تستفز شعور المتلقي.
أشياء أقرب الى الاستحالة مثل (حيطة تتمغَّي وتفلِّع في قفا الزول البناها).
هذا قول فيه (تعسف) عجيب.. وصف يغني عن (الحال)... وقول يجعلك تقف (شاهد ملك) في فعل أنت لم تشاهده ولم تشارك فيه.. لكن حميد يورطك بوصفه المدهش في أن تكون (شريكا).
نتقبل أن يجعل الشاعر (القارئ) محايدا.. لكن أن يجعله (شريكا) هذا لم نجده إلا في أشعار محمد الحسن سالم حميد.
يا نورا آه..
يحرد كنائسنا المسيح..
يعرش مدارسنا
الصدأ
ييبس.. يباس
حلق العصافير الودية من البكاء
يندردر الصّوت للبعيد
أسيان يصد من دون صدى
ينكفرن الفجر الصّبوح
يحمي الزهيرات الندى
تختا الدروايش الضّريح..
تسكن خلاوينا الجنون
المد هنا اأبعد من حد الخيال... تلك مشاركة فعلية وانصهاراً تاماً مع وصف تجد نفسك طرفاً فيه.
حميد من الشعراء أصحاب (الفسلفة) في أشعاره.. وهو شاعر تحس بالفلسفة في قصائده أكثر من أي شاعر سوداني آخر.
هو شاعر فيلسوف رغم بساطة المفردة التي يعرض بها فلسفته تلك.
انظر الى تلك الفلسفة مع الاحتفاظ ببساطة المفردة وقوتها ودلالتها الحركية.
تعقر
بسيمة الصّح
مع لوبي الجّروف
تغرز
ضريعات الحروف
ينشف
مراح الأمسيات..
تتمتطّق الأرضة المروق
والأغنيات
اللّي الشّروق..
والأرض والحب والمطر
تضَّهب تتوه..
وكتين يضيع عرق الجّباه
الشّم..
شمار في مرقة
آه يا نورا
آه..
من دّربك التّور نفس
خيل الصّبر..
فتّر خطاوي الشّوق
وراه يا نورا آه...
انظر لتلك المفردات القوية والقادرة على عرض (أفعال) تشعر فيها بمطاطية الحركة ودنماكيتها.
هذه مفردات خرجت من المجتمع السوداني ومن بيئة الشاعر وهي لها دلالات قوية ومحسوسة.. ويمكن الاكتفاء بكلمة واحدة أو مفردة لا غير لتصوير حدث يمتد لأزمان بعيدة.
شوف كلمة (تعقر) التي تعتصر عند أي شخص انقطاعاً عن الأمل.. حميد يأتي بها ليقطع البسيمة.
ثم يأتي حميد بكلمة من جنس الفعل ومن نفس الطبقة.. (تغرز)... والغرز هو الوقوف وهو الانقطاع عن در اللبن.
من بعد يأتي حميد بكلمة (ينشف)... وهي مرحلة بعيدة في الانقطاع ومرحلة بعيدة في الجفاف.
أما كلمة (تتمطَّق) فهي للتذوق وللتعطم.. وعادة يحدث (التمطُّق) قبل تناول الشيء.. وهي مقدمة للتناول بشهية وعن جوع ورغبة كبيرة.
لكن حميد هنا يجعل (التمطّق) للأرضة التي تمطَّقت (المروق).
حميد مغرم بهذه الفسلفات التي يلحظها ويخرجها من بئيته ومجتمعه ويقدمها شاهداً للناس ومشهود.
وهذا عرض آخر.
يا مطر عز الحريق
يا مصابيح الطّريق
يا المراكبية البتجبد
من فك الموج الغريق
جينا ليك
والشوق دفرنا
يا المراسي النتحوبيا
لما ينشعوت بحرنا
يا جزرنا وقيف عمرنا
يا نشوغ روحنا ودمرنا
يا المحطات الحنينة
القصرت مشوار سفرنا
هذا ليس شعرا.. إنما تركيبة موسيقية... لا سيما وأن الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد يؤدي الأغنية بأبعاد موسيقية.. تتخللها الكلمات الغريبة والنادرة.
هذه الكلمات تبقى غريبة (النتحوبيا - ينشعوت – نشوغ).
لذا فإن محمد الحسن سالم حميد من الذين جددوا في المفردة الشعرية التي كادت أن تكون رتيبة لولا هذا الشحن الحركي الذي جعله حميد في المفردة.
جنسي يا نورا
ابن آدم حلمو في عالم مسالم
لا الليالي الماها ليّا
لا الشمّاتات العليّا
لا البنوك المخمليّة
لا تفاهات الحضارة..
لا عفاريت المدينة..
لا العمارات السّوامق
ناساً فقاري
لا الهتاف الفاوة ضاري غطّي بالي
من الفوارق..
لا الألوهة الطوطمية
لا البرندات الوسيمة
ولا الأسامي الأجنبية بتمحى من عيني ملامحك..
وانتي جاية المغربيّة
دايشي داقشي المغربية
وشّك المقبول مكندك..
سامسونايتك زمزمية
هذا مقطع كلما تحدثت عن محمد الحسن سالم حميد لا بد وأن تقف فيه.
مشهد عصري جدا... حاضر في حياتنا اليومية.. قدر حميد أن يرصف كلماته بهذا الألق والإبداع والفلسفة.
أُصرُّ أنا على أن أحضر (الفلسفة) في كل مقطع أتحدث فيه عن محمد الحسن سالم حميد.
المقطع السابق كان مقطعاً ثوريا.. إنها ثورة ضد البرندات الوسيمة والحضارات التافهة والأسامي الأجنبية.
مقطع يصحح إحساسنا ومشاعرنا مع التعامل مع الأشياء الأخرى (غير الأصيلة).
وإعلان ثورة آخر.
وجايي ليك يا نورا آفة
آفة للسوس الجا ينقر..
عود عشيما
داخرو فيكي
وأصلي لمن أدور أجيكي..
بجيكي
لا بتعجّزني المسافة
لا بقيف بيناتنا عارض..
لا الظّروف تمسك في إيدي
ولا من الأيام مخافة
يا نفس فجر القصائد..
ما ضهب
في بعدي عنّك
وأصلي متغرّب عشانك...
راضي بالبجاييني منّك
ما بكيت شح اللّيالي
لا شكيت نُح... شلتو حالي
رغم إنّو الحال بيفصح
إلا كُتْ في الحارّة بصرخ
يا وطن عند الشدائد.. يا وطن عز الشدائد
...
وطن؟؟
إنه حميد.
الطابع الشخصي عند حميد يجب ألا نفصله من طبيعة قصائده.
حميد شاعر لا يحب الأضواء.. يبتعد عنها.. لا يصرح كثيراً.. ولا يتحدث حتى عن متون قصائده.
لذا فحميد أشعاره أكثر غموضا.. ولعل هذا طابع كل الشعراء الذين تغنى لهم الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد.
لكن (الغربة) إضافة (ضاببية) أخرى حول الشاعر محمد الحسن سالم حميد... فقد كان الشاعر مهاجرا.. وأجهزتنا الإعلامية في السودان مازالت تتوجس من (الشاعر).
مازالت أجهزتنا الإعلامية تتخوف من الشاعر ولا تحسن التعامل معه.
التلفزيون السوداني القومي وقناة النيل الأزرق وقناة الشروق في بيات شتوي لا تصل للمبدعين.
مع الاحتفاظ لاجتهاد قناة النيل الأزرق التي قدمت معه حلقة رائعة وقدمتها نسرين النمر بصورة جميلة.
لكن مع هذا نقول إن هذه الفضائيات تقترب أن تكون منابر سياسية.. وفي ذلك فهي (اتجاه واحد).
تلفزيوناتنا وإذاعاتنا أيضاً يستحيل أن تعرض قصيدة لهاشم صديق أو لأي شاعر آخر تحس عنده بالحرية.
كذلك مع كثافة البرامج التي تقدمها هذه الفضائيات ليس هناك برنامج واحد يمتلك مقدمه ومخرجه ومعده أن يستضيف هاشم صديق أو محمد الحسن سالم حميد أو يحيى فضل الله أو قاسم أبوزيد... الخ..
وإن فعلوا ذلك فإنهم يفعلون على (استحياء).
وهي أن استضافتهم.. كان الهدف منها أن يحاور الشاعر عن قضية هامشية غير القضايا المعني بها الشاعر.
هناك شح كبير في قصائد محمد الحسن سالم حميد في المنابر الإعلامية الرسمية.
كأن قصائد حميد ممنوعة أو محظورة.
نعود للعرض الشعري.
ما أجمل هذا (الانتظار) والترقب.
منّي متعشّم طلوعك..
كلّي مستنيك تعودي..
ويغسل السّاحات رجوعك
في حشا أحراش الليالي
منتظر بقّة شموعك
تشتل الضّو
في الضّهابة..
ترخي للجايعين ضروعك
يرجع الطير المهاجر..
يملا في الفجّاج ربوعك
هذه قسمة... وتتداخل (مني ليك) أو بهذا الشيء يجعلك تشعر المقطع المتداخل (مني متعشم طلعوك).
إنه أجمل (انتظار) في الشعر السوداني.
ويتواصل الترقب والانتظار.
في كلام النّاس بفتّش..
بين عوينات المدارس
في صدى آذان المساجد..
ورنّة أجراس الكنائس
في اندهاشات العذارى..
في ارتعاشات العوانس
في بحر فرحان
يبشّر ...
موجو
لي جية النوارس
وحميد يدمن أن يقدم لنا هذه (المشاهد) بخلطة (الإقناع)؛ حيث تجلس (الفسلفة) جانباً على نص الكلمات.
من دواية الصبر نكتب
فينا
والإصرار يملّي
تنعدم موية وضونا..
بينا نتيمم نصلّي
الزّمن ينقض وضونا
تأتي نتوضأ ونصلّي
ونمشي فوق دربك
نباصر..
في في الرماّال والشّوك
نحاصر بي شعاع بكرة المسافة..
وسطوة الليّل والعساكر؟؟
تنهزم ريح العوارض..
والمواريث التّعوقك
ومن شقايا الحال
تبقّي...
وتقدح التّاريخ برقوك وكلّما مرقت غبينة.
تمشي.. لي داخل ع ر و ق ك
بهذه الاحرف كتبت في ديوان حميد.
بيوت الطين... هي دون غيرها أكثر احتفاظاً بالحنين.. وأكثر ارتباطاً به.
البيوت عامة لها حنين الأمكنة.
من أهم مميزات حنين الأمكنة... أنه حنين باقٍ وثابت وغير قابل للتغير والتبدل.
بهذا شهد فاروق جويدة.. (العطر عطرك.. والمكان هو المكان... لكنَّ شيئاً قد تكسَّر بيننا.. لا أنت أنت ولا الزمان هو الزمان).
إذن قد يتغير الشخص.
وقد يتغير الزمان.
لكن (المكان) مثل العطر يحتفظ برائحته وذاكرته دائماً ولا يبدل جلد حافظته.
هذا نوع من الوفاء والإخلاص النادر.. لأن الثبات على الشيء قمة الوفاء.
لهذا كان الارتباط كبيراً بالبيوت.. حتى في الشعر الجاهلي.
وكان الوقوف على (الأطلال) احتفاظاً بذكريات وأيام خوالٍ.. حتى وإن أصبحت البيوت مجرد حجار وطوب.
بل إننا نجد أن تثبيت العاطفة والحب نفسه ارتبط بعنوان بيتي... (نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى.. ما الحب إلا للحبيب الأول).
وجاء توضيح آخر يفك ارتباط هذا الحنين.. (وما حب الديار شغفن قلبي.. لكن حبي من سكن الديار).
والإنسان عنوانه (بيته).
وفي الأغنية السودانية.. أيضاً توقف عند (البيوت)... (يا دار وين بهاك أمشي وجيبي طيبي.. أوعك من سنين الغدر ومن حبييبي).
ومن كلمات الدكتور إبراهيم ناجي غنت أم كلثوم للأطلال.
شاعرنا محمد الحسن سالم حميد توقف وقوفاً خاصاً عند هذا المحضر.
بطريقته الخاصة وثق لهذا الحنين.
أنا ماشي..
رأجع....
لي بيوت تفتح لي أدق أو ما أدق
من غير تقول الزول منو
ولا حتّي علي الداعي خير
لا مالك الحابك شنو
هذا (الولف) مرتبط ارتباطاً كبيراً ببيوت الطين... لأن هذا السلوك الطيبي منها أصبح من أعرافها ومن تقاليدها.. وقد نجح حميد في أن يقدم هذا (العرف).
لي بيوت بجيهن
في أي يوم
ان جيتا ليل
إن جيت دغش
طوّالي
أدفر الباب
وأخش
مرّات أضيق
قاصر الطريق
من بيت لبيت
وفي بيتنا كربش زي نسيمة
معدي شيمة لا أوش لاكش
الأُلفة والحنين الذي يربط بين حميد والبيت... ليس قاصراً على هذا الحد.. لأنه يربط أيضاً بينه وإنسان هذه البيوت.. وبين كلاب الحي نفسها.
خابراني
كلّوب الفريق
زولاً رفيق
الليل ووناس الدغش
...
لا قطعت نوم
النائمين
لا الباري للحيشان
تقش
عند شوفتي
تجري علي هدم
وفي محلها
الشوق يترسم
تنجهني
حتّان بالاسم
تندهني
عقبان تبتسم
بسمة بنيّات
ناس غبش
تلك البيوت اكتسبت (طيبتها) من إنسانها... اكتسبت هذا الحنين وأصبحت مسكونة به.
هادي البيوت
ماب تتلخم
في الحكوة
ماب تنضم كتر
لاها البتصنع نضم
شايلة الفصاحة
من الطيور
اليوت تغنّي علي التمر
ونور المهابة من النجم
مطعوم سكاتها من الصبر
هذه البيوت بهذا الوصف تبقى عند أي زول.. لعل لهذا السبب الناس في الخرطوم في شوق دائم للعودة للبلد والإجازات.
هناك البيوت مازالت تحتفظ بهذه التفاصيل.
وين يا بيوت
عز البرود
ضمتنا كونية دفي
ومن لدغة الصيف الغريب
قامت حواية همبريب
وتحت القمر
حيشانا قيزان السمر
تدّينا لامن نكتفي
يا بيوت من الخاطر قراب
ورهاب رهابات تختفي
الاعتذارات ماب تفي
وجيت ما لقيتكم ماها في
أبوبنا مو صاجات حديد
يغسل درابزينا الرزاز
حيطانا مو أسمنت وحجر
وشباكنا لا سيخ لا قزاز
نعم إن الأبواب في الخرطوم امتلأت بهذه العبارة (حضرنا ولم نجدكم).
الناس في الخرطوم كلهم هجعوا.. كلهم طلعوا بحثاً عن (الرزق).
يطلعوا من صباح الرحمان.. ويعودوا في آخر الليل.
هذا هو طابع بيوتات البلد.
البيت دا بيتك
يا حبيب
ادخل.. مخير.. وماك غريب اتمد في أقرب عنقريب
مبهول في حوضو الهمبريب
النيمة يا العنابة ضل
أغشي التكل
خرمان في شاي
جيعان أكل
وداك التمر
والزير قريب
بايت من البارح ملآن
راقد في صدر الهمبريب
دُر تقرا ديك كتب الولاد
قلّقت أو طال الرجي
كورك نقولك ..هوي..
بعاد رسلّ لنا المرسال نجي
قصيدة (الرجعة للبيت القديم)... قصيدة طويلة وجميلة ويحتاج كل الناس أن ينفذوها ولو مرة في السنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.