لازالت التناقضات تسيطر على منطقة الوسط, فيما تحولت الفوضى لتلعب بنشاط على اطراف ميدان (جاكسون) الضاج بالصخب وسط الخرطوم... وعلى الرغم من ان الزحمة لم تصل الى ذروتها في العاصمة الخرطوم هذه الايام, إلا ان اقدام الناس والباعة (الثابتين والمتجولين) تحتل الميادين وتدهس الارض قبل ان تثير غضب الغبار والاتربة التي تتعلق بكل شيء وتساهم بصورة مباشرة في الخلل البيئي الذي يغرق في داخله (جاكسون). وفي منتصف الميدان الذي يمتدد من شارع الحرية شرقاً الى مباني الخطوط الجوية السعودية غرباً تجد عربات الموز والفاكهة تتوسط الوحل والطين الذي خلفته مياه الكافتريات والحمامات, وعلى مقربة من هذا المشهد المتناقض ما بين الفاكهة والأوحال تفتح بائعات الاطعمة (المأكولات) للهواء وساقط الغبار بينما تجاور ترابيزها (الحمامات التجارية) التي تنبعث روائح كريه تزيد الوضع سوءاً على ما هو عليه, ومع ذلك يتزاحم المواطنون للفوز بسندواش طعمية أو سلطة اسود أو (كمونية) قبل ان يجلس على قارعة الطريق ليلتهمه وجبته بنهم دون وضع اعتبار للآثار الجانبية والمخاطر التي تتربص به.. أوجه التناقض لم تتوقف عند هذا الحد فكثيراً ما تجد بائعي البارد من المشروبات التقليدية (ليمون, برتقال, كركدي, تبلدي) يضعون (الجرادل) على ترابيز تلاصق الصناديق الكبيرة الخاصة بالقمامة والاوساخ, وما بينهما تجد اسراب الذباب تطير حول مكب النفايات وفوق جرادل العصير. ولا تتورع بائعات الشاي في نصب خيمة أو (راكوبة) من الخيش و(الشوالات) في اي مكان حتى لو كان بجوار خور قذر أو مجرى صرف صحي أو كوشة... واذا ما نجح الفرد في مراوغة المتناقضات وتخطيها فإنه بلا شك سيقع في شراك الفوضى التي تضرب بأطنابها عند الناحية الجنوبية والغربية بيد أنه يحتاج الى جهد كبير للوصول الى شارع (الظلت) الذي يفصل ميدان جاكسون بالموقف الجديد عند السكة حديد.. وهنالك عن اطراف الميدان تعم فوضى الباعة المتجولين والثابتين حيث ينتشر هؤلاء على طول الشارع الضيق (شمالاً وجنوبا) يعرضون بضاعتهم بأساليب مختلفة وبأصوات مختلفة تزيد من حدة الفوضى الطاغية على المنطقة وتجوار الكريمات والصابون محلات (العنب والتفاح), فيما تواجه محلات الملابس بائعاة الفول والدكوة, وهنالك ينتظر بائع الخضروات الفرصة ليحل محل صاحب الورنيش, وفجأة ودون إنذار تظهر (حافلة ركاب) تطارد المواطنين في الساحة بأبواق (بوريها) بحثاً عن الزلط الذي يبتعد امتارا, أما (الهايس والكريس) بوقوفها غير المنتظمة ترفع درجات الفوضى الى ذروتها, ووسط هذا الوضع نسمع الكثير من الوعود بالإصلاحات وما بين الكلام الرسمي وآمال المواطن تتطاير بعض الأخبار لخطة جديدة لردع وهزيمة الفوضى ..