بدا واضحاً أن بعض السياسيين في الاتجاهين يميناً ويساراً يمارسون أعمالاً إضافية بجانب عملهم السياسي الذي احترفوه منذ أن كانوا طلاباً في الجامعات مولعين بالنشاط السياسي حتى لحظة مشيبهم، غير أن الملاحظ أن بعض من يكتبون بصفة راتبة بالصحف اليومية في شكل قوالب صحفية مثل مقالات الرأي والأعمدة قلّ عطاؤهم السياسي والحزبي... وقد يكون السؤال المطروح هو.. هل جاء نشاطهم الصحفي علي حساب تحركاتهم السياسية والتنظيمية، وخصماً علي أدائهم الحزبي، أم أن مشاركتهم ككتاب صحفيين في الصحف السيارة جاء نتيجة لإشكالات تواجه هؤلاء، أو نزول بعضهم وجلوسهم على كرسي المعاش السياسي باكراً، فلم يجدوا طريقة للإطلالة علي الرأي العام السوداني إلا عن طريق الكتابة.. أي تعويض الفاقد السياسي ببديل صحفي؟ وقبل الإجابة عن هذا التساؤل دعونا نقدم أو نطرح عدداً من الأسماء التي كانت لامعة في سماء العمل السياسي، لكنها الآن اتجهت للكتابة الصحفية؛ فعلى سبيل المثال وليس الحصر هناك الدكتور علي أحمد السيد من قيادات الصف الأول في الاتحادي الديمقراطي وممثل الحزب من قبل في سكرتارية تجمع الداخل ورئيس لجنة السلام والمصالحة في البرلمان السابق. والمهندس محمد وداعة الله القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي السوداني وعضو المجلس الوطني السابق. والدكتور الشفيع خضر القيادي بالحزب الشيوعي السوداني. ورفيقه المحامي كمال الجزولي. والدكتور إبراهيم الأمين – قبل أن يصبح أميناً عاماً لحزب الأمة القومي وأيضا محمد عيسى عليو عضو المكتب السياسي لحزب الأمة. وعلي نايل القيادي المستقيل من الاتحادي الديمقراطي. وفتح الرحمن شيلا – قبل وبعد عزله من منصب أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني_ والدكتور غازي صلاح الدين. والدكتور أمين حسن عمر في فترات متفاوتة. وحسب المناسبات والدكتور قطبي المهدي قبل أن يتولى القطاع السياسي. ومن المؤتمر الشعبي هناك القطب الإسلامي الشيخ يسن عمر الإمام. والعقيد متقاعد محمد الأمين خليفة. والأستاذ مكي علي بلايل من حزب العدالة قبل أن يترك الوزارة سابقاً. وغيرهم كثير. فهل الأمر هو شعور هؤلاء ب «البورة» السياسية ليلجأوا للعمل الصحفي أم أن لهم فائض وقت يتم تعويضه بالكتابة في فترات الفراغ، أم نتيجة لأن عطاءهم وكسبهم السياسي بدأ يقل شيئا فشيئا..؟!! والآن يظهر اسم عبدالباسط سبدرات ككاتب بعد أن كان ناشطا سياسيا في عدد من الوزارات. سألت القيادي البعثي محمد وداعة الذي بدا لافتاً وجوده هذه الأيام ككاتب صحفي مداوم على الكتابة فردّ عليّ بقوله – بعد تأمينه علي حديثي: ( أنه بدأ يمارس الكتابة الصحفية لقدرته على ذلك بجانب أنه وجد تشجيعاً من عدد من كبار الكتاب والإشادة بأسلوبه وطريقة كتابته. وقال انه كان يكتب بشكل متقطع، لكنه سيكتب في الفترة القادمة ثلاثة أعمدة كل أسبوع). ومضى وداعة ليقول إن ما يكتبه ليس له علاقة بموقفه السياسي، ولا يكتب مقالاته بنفس وروح سياسي، لكن بشكل موضوعي متناولاً الشأن العام من زاوية موضوعية. ونفى محمد وداعة أن يكون اتجاهه للكتابة في الصحف (بورة) سياسية أو نتيجة لتوقف نشاطه الحزبي، لكن لأن الكتابة الصحفية تعطيك ميزة توضيح موقفك السياسي لأكبر عددية من المواطنين والقراء باعتبار أن ما يكتبه هو خطاب مباشر للرأي العام السوداني وليس لجماهير الحزب فقط. والافضل لقيادة المعارضة مخاطبة الشعب مباشرة عبر الصحافة. وقال إنه على المستوى السياسي لا يعاني حالة ركود سياسي لأنه من جهة أخرى لديه تصريحات موجودة ومستمرة ونشاط على مدار الأسبوع، لكن الرجل قال انه يجد نفسه فى الكتابة، وأنها تعبّر عنه أكثر من التصريحات السياسية نظرا لأن الأخيرة فيها التزام بالخط السياسي المطروح والمعلن، غير أن الكتابة الصحفية ليست كذلك ..واختتم محمد وداعة الله حديثه معي بأن كتابته في الصحف تتم مجاناً ومن غير مقابل مادي لأنه يعتبر أن ما يكتبه جزءاً مكملاً للرؤية السياسية، وغير مقيد لانتماء سياسي، وان ذلك وجد قبولا لدى الكثيرين ) ... *ربما.. وعلى ذكر العائد المادي فمن الواضح أن الكتابة الصحفية تحتاج لكلفة إضافية مثل تفرغ الكاتب لإعداد المادة ثم كتابتها وترتبيها ومراجعتها والاستعانة أحيانا ببعض المراجع والمصادر ثم استخدام جهاز الحاسوب لإرسالها للصحيفة، ثم إن الكتابة أحياناً قد تسرقك من مهام عملك الرسمي أو التزاماتك الأسرية.. فهل من الضروري تقاضي الكاتب السياسي مقابلا ماديا لمواجهة هذه المنصرفات ؟!! . رغم أنني طرحت هذا التساؤل على كثرين يشاركون في العمل الصحفي هل يتقاضون أي أجر أو حافز حتى ولو كان رمزياً ؟ ..إلا أن غالبيتهم تحفظوا في الإجابة عن هذا السؤال فقد بدا حرصهم على مواصلة كتاباتهم أكثر من حرصهم على ملاحقة حقوقهم المادية هذا إن وجدت... لكن ..هل ثمة حبل أو خيط سري يربط بين السياسة والصحافة أو الكتابة الصحفية؟؟!!.. مكي علي بلايل أكد في حديثه معي أن المسألة خالية من أي انفصام أو انفصال لأن السياسي والصحفي يكملان بعضهما بعضاً ولا يتقاطعان باعتبار أن أدوارهما تتسق في منظومة واحدة. وأشار الي عدد من الأسماء مارست العمل السياسي وفي نفس الوقت كانت لهم مهام وأعباء إعلامية مثل محمد حسنين هيكل؛ كان سياسياً ومستشاراً للرئيسين المصريين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وله أدوار سياسية وصحفية. وكذلك منصور خالد فقد عرف كسياسي وإعلامي.. حسناً.. هناك أيضا الإمام الصادق المهدي فهو رئيس حزب سياسي ويشارك في الكتابة الصحفية ب ( الجرائد ) ... وعلى ذكر ذلك فقد تابعت كذلك قبل فترة كتابات وزير الشباب والرياضة حاج ماجد سوار والدكتور إسماعيل الحاج موسى بشكل منظم في صحيفة الرائد. غير أن الدكتور صلاح الدين الدومة أستاذ العلوم السياسية بجامعة أمدرمان الإسلامية اعتبر في حديثه معي أن المسألة طبيعية وموجودة خاصة في الدول الغربية والأروبية وهي أشبه ب ( الباب الدوار ) خاصة بعد أن يقال السياسي أو يستقيل أو يعفى من منصبه فليجأ للكتابة الصحفية أو يتجه للتدريس بالجامعات إن كانت له مؤهلات أكاديمية وعلمية عالية.. وينقسم الكتاب هنا حسب وجهة نظر الدومة الي مؤيدين للحكومات، وآخرين معارضون لها.. فعلى مستوى المعارضين فهم يكتبون ليثبتوا للحكومة أنهم موجودون وحاضرون في الفعل السياسي والتعبير عن قناعاتهم الشخصية والخاصة. وعلى صعيد المؤيدين فهم يرسلون رسائلهم للحكومة أنهم معها ولم يفارقوها ويؤيدوا سياساتها أو لاحتمال أن تكون الكتابة الصحفية من أجل إرسال رسالة لجماهيرهم وقاعدتهم الحزبية بأنهم موجودون ويطرحون أفكاراً هم مستعدون لتحمل تبعاتها والدفاع عنها. ختاماً.. فإن الوضع السياسي الراهن وبتعقيداته المتشابكة والشائكة ومع تقلب أوضاع الأحزاب السياسية فإن الكثير من السياسيين سيتجهون غالبا للكتابة الصحفية خاصة لو ضاقت مواعين العمل الحزبي والسياسي الداخلية فيكون الخيار حينئذ هو السباحة في فضاءات العمل الصحفي، وفي ظل صحف يماثل عددها إن لم يزد عدد القوى والأحزاب السياسية..