بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفير سوفيتي سابق يكشف خفايا الحرب العربية الاسرائيلية في عام 1973م (2-2)
نشر في الأحداث يوم 12 - 05 - 2012

الولايات المتحدة
لقد ابعدت رياح حركة التحر الوطني الولايات المتحدة عن الشرق الاوسط ، لكن هذه المنطقة هامة جدا بالنسبة لها : فهناك أضخم احتياطيات للنفط في العالم ، وفيها قناة السويس الاستراتيجية ، كما توجد هناك المشارف الجنوبية القريبة من الاتحاد السوفيتي ، ويوجد هناك أسوأ شئ – الا هو مركز الصراع ضد الاستعمار والامبريالية ، ولذلك فان نفوذ الاتحاد السوفيتي السياسي هناك كبير جدا. وتوجد هناك اسرائيل – القلعة الامامية للولايات المتحدة ، والتي تبقى على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاما في حالة فزع مما يترك انطباعا بالغا لدى العرب ، والاعتماد على القوة ، حقا يجب تعزيزها. ينبغي دعم اسرائيل ، وينبغي الحفاظ عليها حتى لدى اتباعها النهج السياسي الذي تتبعه حاليا – رفض اية « تصرفات يسارية « ، ويجب التمسك بالعنصرية الخالصة اي الصهيونية. علما بأنه لابد من ملاحظة ان الدول العربية تتطور وتغدو أقوى يوما بعد يوم ، ولا تفتر عزيمتها في تحرير الاراضي التي احتلتها اسرائيل ، ومع تناميها تزداد قوتها فحسب . وبفضل الاتحاد السوفيتي اصبحت قوتها العسكرية أكبر ، اما عدد نفوس اسرائيل فلا يمكن مقارنته بالدول العربية المجاورة.
يجب على اسرائيل ابداء مرونة أكبر. ان سياستها متشددة وفظة ، وهي تسئ الى سمعة صديقتها وحاميتها – الولايات المتحدة ، وتعرقل مساعي امريكا في اقامة العلاقات مع البلدان العربية. ومعنى ذلك تنبثق لدى الولايات المتحدة مهمة مزدوجة حيال اسرائيل – هي عمل كل ما يمكن من اجل الحفاظ على دورها كسند لها ، والعمل على تخفيف عجرفتها قليلا ، وارغام الاسرائيليين على التنازل قليلا خدمة لمصلحتهم انفسهم من اجل المحافظة على الشئ الرئيسي. فكيف يتم ذلك ؟
يجب الحصول على امكانية « انقاذ» اسرائيل ، حين تواجه المصاعب ، لكن يجب «انقاذها» بصورة دراماتيكية وجلية للعيان ، بغية ان يرى ذلك في اسرائيل وان يظهر بصورة منطقية بالنسبة للعرب – فهم اعتادوا على اعتبار ان الولايات المتحدة تقف الى جانب اسرائيل في كافة الاحوال. وفي الوقت نفسه يجب ان يبين للاسرائيليين إنهم يجب أان يقدموا شيئا من التازلات وبهذا يتولد انطباع مؤثر لدى العرب بغية ان تنتشر الاشعات حول « تغير» موقف الولايات المتحدة من الدول العربية. ومن هنا يبرز الحل المحتمل : يجب منح العرب امكانية توجيه الضربات الى اسرائيل – ضربات غير عنيفة بإسلوب يتم التحكم به أن جاز القول : التضحية ب « عدد ما « من الاسرائيليين من اجل « إنقاذ « اسرائيل لاحقا.
ومعنى ذلك ان المعلومات التي وردت الى الامريكيين عبر المخابرات حول الاستعدادات العسكرية في مصر اتاحت لهم فرصة إقامة ‘تصال مع السادات ، والتلميح له بان الولايات المتحدة موافقة على العمليات العسكرية – طبعا اذا لا تجاوزت الاطر اللازمة. وهذا سيساعد الولايات المتحدة على « ادارة وجهها نحو مصر» ، ويبرر افعال الحكومة الامريكية امام الرأي العام.
ولربما ان الولايات المتحدة قد ألمحت الى السادات بأنها لاتعارض البتة في شن عمليات عسكرية « محدودة».
ولسخرية القدر ان ما حدث هو ان الولايات المتحدة علمت بالتحضير للعمليات العسكرية ، اما الاتحاد السوفيتي حامي مصالح العرب فلم يعلم شيئا من ذلك.
اسرائيل
لا تسطيع الفئة الحاكمة في اسرائيل الإمتناع عن مساعدة حاميتها الرئيسية وولية نعمتها – الولايات المتحدة الامريكية. ولو تصورنا للحظة وجود اسرائيل بدون الدعم الامريكي الكامل ، بالاخص في المجالين العسكري والاقتصادي ، فأنه يتضح للجميع ان الدول العربية ستقضي على اسرائيل في لحظة خاطفة – مهما كانت سياستها. علما ان الولايات المتحدة بحاجة الى ان يكون الوضع في الشرق الاوسط اكثر استقرارا. وليس لديها من صديق آخر فيما عدا اسرائيل سوى الملك فيصل. وهذا قليل. يجب ان يتوطد نفوذ الولايات المتحدة في البلدان العربية ، على أقل تقدير الكبيرة منها ، التي تهدد اسرائيل ، وعندئذ يمكن التعويل على ان تراقب الولايات المتحدة افعالها. والشئ الرئيسي هو انه في حالة دخول الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط فمعنى ذلك تقلص نفوذ الاتحاد السوفيتي فيه. فكل شئ يستثني الآخر. وسيعني ذلك تقلص الايديولجية التقدمية ، وتحول الانظمة الداخلية بإتجاه اقامة دول رأسمالية عادية الطراز. والرأسمالي يجد لغة مشتركة مع الرآسمالي دائما بشكل أسرع : فالنقود عديمة الرائحة ولا تفرق بين الناس طبقا للون البشرة او المعتقدات.
اذن ان تقوية نفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي مفيد لاسرائيل. اذن يجب مساعدة الامريكيين فهذا في مصلحة اسرائيل نفسها. لكن كيف يتم ذلك؟
قبل كل شئ يجب البحث عن الحلقة الاضعف. وتعتبر مصر بلا جدال هذه الحلقة في العالم العربي. ويعرف الجميع موقف السادات من الحركة التقدمية في داخل البلاد وبشكل خاص حيال الاتحاد السوفيتي. بالاضافة الى كونها اكبر دولة عربية. اما سورية فيمكن ان تتم المحاولة للتخلص منها بطريقة عسكرية، فالفرص عندئذ طيبة.
هل يستعد السادات للحرب ؟ حسنا. كيف يمكن ان يقاتل؟ فقط بعبور قناة السويس . هل تحتاج اسرائيل من وجهة النظر الاستراتيجية الى خط دفاع طويل على امتداد قناة السويس كلها؟ انه لا ينفع. والأفضل بكثير اقامة الدفاع بنقاط حيوية صغيرة – مثلا في ممري متلا والجدي الجبليين في شبه جزيرة سيناء. ففي حرب عام 1967 أصر كثيرون ، ومنهم موشى دايان ، على الانسحاب من القناة واقامة خط الدفاع في هذين الممرين. لكن انتصرت يومذاك الاعتبارات السياسية. اذن فخط الدفاع على القناة لا يعتبر مكانا مباركا. وفي أغلب الظن ولدت بالاشتراك مع الامريكيين فكرة احتمال الانسحاب لدى الضرورة من خط الدفاع على امتداد القناة. طبعا ان هذا سيتم في أسوأ الاحوال ، لكن يجب القتال ، فلا يسلم الخط بلا قتال.
أما فيما يتعلق الأمر بسورية فأن المسألة اكثر صعوبة. ان المسافات هناك قصيرة وقد يزحف السوريون الى الوديان في داخل اسرائيل نفسها. وهنا لا يمكن التنازل عن شئ. هنا يجب العمل في الاتجاه المعاكس مباشرة – يجب استغلال الفرصة السانحة وتفتيت القوات المسلحة السورية بغية ألا تستطيع الصمود.
ولهذا وجهت القيادة العليا الاسرائيلية جميع القوات الى الحدود مع سورية ، في اغلب الظن انها تلقت معلومات حول تحشد القوات المصرية والسورية بشكل منقطع النظير ، ولم ترسل اية تعزيزات الى سيناء وقناة السويس حيث تقدمت قوات مصرية ضخمة وبقدر أكبر . ووجب على الجنود الاسرائيليين في سيناء القيام بدورهم في المسرحية السياسية – دور المعذبين الذين حكم عليهم بالهلاك مسبقا.
الاتحاد السوفيتي
لقد كان استئناف العمليات العسكرية في الشرق الاوسط فعلا امرا غير مرغوب فيه كليا بالنسبة الى الاتحاد السوفيتي.ولو انطلاقا من انها لم تكن محاولة نزيهة من مصر لاستعادة الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل. علاوة على ذلك فان العمليات العسكرية بحكم طابعها كانت دوما غير معروفة النتائج . انها الوسيلة القصوى وغير المرغوب فيها جدا. بالاخص ان احتمال هزيمة الجيوش العربية كان كبيرا جدا لاسيما بعد سحب الخبراء العسكريين السوفيت.
لكن ما دامت العمليات العسكرية قد بدأت يجب تحديد الموقف. ولم يكن ذلك أمرا عسيرا. نعم استجاب الاتحاد السوفيتي الى رغبة الاسد قبل بدء العمليات العسكرية بأن يطرح الاتحاد السوفيتي بعد بدء العمليات العسكرية مبادرة ايقاف اطلاق النار وبقاء القوات في المواقع التي تشغلها.
ودعا الاتحاد السوفيتي مصر وسورية ، الى جانب تقديمه مساعدات عسكرية عاجلة بكميات ضخمة ، الى ايقاف اطلاق النا ر ، بينما كان ذلك في ذلك الوقت غير نافع بالنسبة الى مصر وسورية. فقد حقق العرب نجاحات عسكرية كبيرة وغير متوقعة في الايام الاولى : اذ تم عبور القناة في جبهة واسعة واستعاد السوريون مرتفعات الجولان وفي بعض الاماكن بلغوا حدود عام 1967 . لكن السادات ابدى العناد والاصرار. لماذا ؟
يمكن الافتراض بان لعبة السادات احبطت منذ البداية . وسارت جميع الامور في مسار غير مقرر.
ووقف الاتحاد السوفيتي بحزم الى جانب الدول العربية ليس سياسيا فقط بل بإرسال احدث المعدات العسكرية. وفي الواقع انه غامر بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة. ولكن السادات لم يضع هذا في حسابه ابدا.
والضربة الاخرى هي ان السلاح السوفيتي الذي كان لدى الجنود والضباط المصريين كان كما تبين عالي الكفاءة. وكان أفضل من السلاح الامريكي الموجود لدى الاسرائيليين.
وثمة ضربة أخرى هي ان تدريب القوات الذي جرى ايامذاك تحت اشراف المستشارين والخبراء السوفيت بموجب طرق التدريب القتالي السوفيتية كانت تتفوق في حالات كثيرة على كفاءة تدريب الاسرائيليين. تضاف الى ذلك الروح المعنوية العالية للجنود والضباط المصريين. وكان هذا كله شيئا غير متوقع.
لقد عبرت القوات المصرية القناة في الوقت المحدد وفي فترة أقصر لحد ما مما كان مخططا له.اما الخسائر فكانت بنسبة 10 بالمائة من الافراد بينما كان من المتوقع ان يبلغ الثلث. وانتصر العرب على الاسرائيليين. وكان هذا نبأ رائعا لدى السادات ، كما كان في الوقت نفسه نبأ سيئا: فقد انهارت خطط اللعبة. فماذا سيعمل الامريكيون ؟ وكيف سيكون دورهم ؟ ان السادات تجاوز قواعد اللعبة التي حددها لنفسه ، ومارس دوره جيدا جدا فيها.
ولهذا أوقفت القوات المصرية زحفها بعد عبور القناة. انها وقفت فحسب على مسافة 3-5 كيلومترات عن القناة - ولم تتوفر الخطط العسكرية لما يجب عمله لاحقا. كما لم تكن امامها قوات اسرائيلية ، لأن القوات الرئيسية الاسرائيلية كانت على الجبهة السورية.
وصار السادات ينتظر مجئ القوات الاسرائيلية! شئ غريب ، لكنه واقع . وقال السادات الحقيقة تقريبا :... قال الحقيقة للاتحاد السوفيتي.. وتوقف وانتظر، حدث هذا في الحرب التي تلقى فيها السوريون ضربة الجيش الاسرائيلي كله.
لم يقبل السادات اية نصائح : بشأن ايقاف اطلاق النار او مساعدة السوريين. كان ينتظر لأنه وجب ان يعطي الفرصة الى الامريكيين للانخراط في اللعبة ، بعد ان انتهكت جميع الخطط.
اما الولايات المتحدة فأنها خلال اسبوع تقريبا لم تقدم اية مساعدة عسكرية تذكر الى اسرائيل : فقد حدث اختلال في قواعد اللعبة لديهم أيضا. ولم يكن يشغل بالهم مصرع الاسرائيليين على القناة ، فقد كان هذا « ضمن الخطة».
لكن سرعان ما أتضح شئ آخر. فقد تكبد الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة في الافراد والمعدات على الجبهة السورية. كما ان خسائر اسرائيل على الجبهة المصرية - لاسيما في المعدات الغالية الثمن – كانت كبيرة للغاية : اذ كانت الصواريخ السوفيتية المضادة للطائرات والدبابات تصيب اهدافها بدقة. وبلغت الخسائر فى الدبابات عدة مئات وفي الطائرات – العشرات. وهذا كله لم يكن مدرجا في الخطة. وهكذا تحولت العملية العسكرية « المحدودة» ، المتفق عليها مع السادات، الى ترف غالي الثمن ، كما كانت تهدد بفشل اللعبة كلها ، أي هزيمة اسرائيل – أحد اللاعبين الرئيسيين فيها.
لقد اضحت الولايات المتحدة من الناحية السياسية في حالة عزلة تقريبا، بالرغم من ان الجميع كانوا يعرفون ان العرب بدأوا الحرب. ولم يتراجع الاتحاد السوفيتي عن مواقفه ، وابدى الصلابة ، بالرغم من انه اقترح على الامريكيين القايم بأعمال مشتركة من أجل احلال السلام الحقيقي أي العادل في الشرق الاوسط.
وأضطر الامريكيون ، لو بصورة متأخرة ، الى فتح جبهة واسعة من الارساليات العسكرية الى اسرائيل المؤلفة من المعدات وحتى مع العسكريين الامريكيين.
كما ان القيادة العسكرية والقيادة السياسية في اسرائيل أصابها القلق من نتائج الايام الاولى للعمليات القتالية التي جرت بشكل يختلف تماما عما كان مقررا. فقد كانت القوى كلها موجهة ضد سورية لكن الخسائر الطبيعية كانت جسيمة ، واصبح كل كيلومتر بمثابة كابوس. حقا ان السادات انقذ الوضع: اذ اوقف قواته ولم يتقدم، بالرغم من انه كان بالمستطاع نقل جميع القوات الى سورية. وبدأ وصول طائرات ودبابات ومروحيات ووسائل توجيه امريكية جديدة الى اسرائيل. ورفع الحظر عن قصف دمشق واللاذقية. وسرعان ما تراءت امكانية تحقيق النصر التام بالاستيلاء على دمشق . وكان هذا النصر ثقيلا ، وكان الافضل ألا يحدث. وتراجع السوريون لكن لم يلحق قواتهم الدمار ، وعوضت المعدات العسكرية السوفيتية مكان المدمرة – اذ كان هدف اسرائيل هو تدمير سورية التام من الناحية العسكرية. لكن هذا لم يتحقق.
وعندما بدا ان من الواجب القيام بهجوم آخر وستسقط دمشق أوقف الاسرائيليون الهجوم. ولم يحدث هذا برغبتهم فحسب. فقد اضطروا الى ايقافه بسبب الصعوبات وربما ورد الأمر بأن الاستيلاء على دمشق سيجعل من الصعب تنفيذ لعبة الامريكيين الرامية الى كسب ثقة العرب. فمن سيتحدث الامريكيون معهم اذا ما سمحوا للاسرائيليين بالاستيلاء على دمشق ؟
كما ان السوريين لم يكونوا قادرين على الهجوم على اسرائيل – وهذا يكفي. الآن يجب معاقبة السادات – فقد ظهر ان جيشه ذا فعالية قوية جدا ، والشئ الرئيسي انه في هذه الايام لم يبتعد عن الاتحاد السوفيتي بل إلتصق به كما يبدو: فليس من العبث ان ارسلوا له السلاح عبر جسر جوي. والارساليات بواسطة البحر؟ هل انها بقيت بعيدة عن الانظار. فلم تدخل وتخرج من الاسكندرية الميناء المصري الوحيد على ساحل البحر الابيض المتوسط سوى السفن السوفيتية. ولا يتطلب الأمر ان يكون المرء رجل مخابرات محنكا – ويكفي استئجار رصيفين في الميناء لرصد ، ولو بصورة تقريبية ، ما تحمله هذه السفن وعدد العسكريين الذين ينزلون الى البر. ان تدخل الاتحاد السوفيتي قد أفسد اللعبة كلها، وقرر السادات الاستفادة من الطرفين وحلب بقرتين.
توقف الهجوم الاسرائيلي على سورية وزحفت القوات بصورة عاجلة نحو الجنوب ، الى سيناء ، حيث كان السادات ينتظرها على أحر من الجمر.
وماذا عن موقف الملك حسين ؟ ألم يكن باستطاعة الاردن سد هذا الطريق غير المحصن من الشمال الى الجنوب؟ طبعا كان يستطيع ذلك. وقد طرح هذا السؤال على السادات. فأجاب ان دخول الاردن الحرب لم يكن مناسبا لأنه كان سيمني بالهزيمة حسب زعمه. علما انه لم يكن مطلوبا من الحسين عمل أي شئ على الاخص سوى سد الطريق. لكن هذا لم يدخل في خطط لعبة الامريكيين والسادات . وهكذا تدفقت القوات الاسرائيلية نحو الجنوب دون ان يعترضها أحد.
ان عبور القوات الاسرائيلية الى الضفة الغربية للقناة يعتبر من اكثر الجوانب غموضا في هذه العمليات العسكرية. فما حدث هناك هو أحد أمرين: اما عدم كفاءة المصريين عسكريا بشكل يبعث على الدهشة ، وهو أمر يمكن تقبله لكن بصعوبة ، واما انها عملية مدبرة ، وهو امر يصعب تصديقه ، لكنه محتمل.
على أي حال تجذب الانظار رحابة الصدر العجيبة وحتى لا مبالاة الرئيس حيال واقع تسلل الدبابات الاسرائيلية عبر القناة. فقد أجاب عن الاسئلة حين عبرت القناة خمس دبابات فحسب بقوله: ليس في هذا أي خطر ، انها عملية «سياسية»(؟). وحتى عندما تشكل على الضفة الغربية رأس جسر اسرائيلي كبير لم يكف السادات عن تكرار ان هذه المجموعة من القوات لا قيمة لها من الناحية العسكرية !
ان التدابير التي اتخذت من أجل تصفية الثغرة تبعث على السخرية فحسب ، ولم يرغب الرئيس في الاصغاء الى النصائح الواردة من موسكو . وبدا كما لو انه سمح للأسرائيليين عن قصد بالتوغل في افريقيا. وفي أغلب الظن ان هذا بدا غريبا حتى بالنسبة الى الاسرائيليين أنفسهم – على اي حال هذا ما كتبه شهود العيان.
لماذا لم يوقف الامريكيون الاسرائيليين؟ ان الجواب يكمن في رغبتهم في الحصول على أداة للضغط على السادات الذي وفر لهم الفرصة للظهور بمظهر صانعي السلام ومنقذي مصر ، واستغلال الفرصة لحلب بقرتين هما مصر واسرائيل. فقد جرى حتى ذك الحين خرق جميع الخطط ، واضطرت الولايات المتحدة بحكم الظروف وبدون ارادتها الى الغلو في ممارسة دور منقذ اسرائيل أيضا!
لكن تدخل الاتحاد السوفيتي خلط الاوراق مجددا. فقد استطاع الاتحاد السوفيتي بطلب من السادات الذي رأى ان الامريكيين خدعوه الآن من التوصل الى ايقاف اطلاق النار مع بقاء القوات في المواقع التي ترابط فيها. وواصل الاسرائيليون بموافقة الامريكيين بجلاء انتهاك قرار مجلس الامن الدولي وواصلوا هجومهم على قناة السويس سعيا الى عزل الجيش الثالث المصري الموجود في الجناح الجنوبي لسيناء.
ولم ينقذ مصر سوى الموقف الحازم للأتحاد السوفيتي الذي اعلن بطلب من السادات استعداده لأرسال قوات الى الشرق الاوسط من جانب واحد اذا لم ترغب الولايات المتحدة بالعمل المشترك.
وفيما يخص الاتحاد السوفيتي فان العمليات العسكرية المفاجئة في الشرق الاوسط منحته الفرصة لكي يحرك قدما الى الامام قضية تسوية أزمة الشرق الاوسط بالوسائل السياسية. ولهذا اعتبر القرار حول عقد مؤتمر جنيف للسلام في الشرق الاوسط انجازا كبيرا لجميع المهتمين فعلا بتسوية الازمة الخطرة في هذه المنطقة من الكرة الارضية ، واجراء التسوية بالوسائل السلمية.
بيد ان هذا لم يكن مخطط الولايات المتحدة واسرائيل والسادات. وكان كل طرف كما نرى يصبو الى تحقيق اهداف مختلفة تماما بعيدة عن الرغبة في تسوية النزاع لصالح شعوب هذه المنطقة. ولهذا تبدو مفهومة تماما الخطوات التالية لهذه البلدان الرامية الى احباط انعقاد المؤتمر.
أذن .. النتيجة
لقد « انقذت» الولايات المتحدة مصر بتصفية ثغرة الدسرفوار في الضفة الغربية للقناة.
أعطت الولايات المتحدة الفرصة الى اسرائيل( بمعونة السدات) لتوجيه ضربة عسكرية قوية الى سورية.
ضمنت الولايات المتحدة أمن اسرائيل بعقد اتفاقيات فصل القوات مع مصر وسورية ، حيث استحدثت مناطق ترابط فيها القوات الدولية واتخذت إلتزامات جديدة بشأن وقف اطلاق النار.
عوضت الولايات المتحدة اسرائيل عن جميع خسائرها في الحرب (بلا ريب ان الخسائر بالافراد والمعدات لا تعني شيئا بالنسبة الى الولايات المتحدة ).
دخلت الولايات المتحدة الشرق الاوسط بمساعدة السادات في محاولة لاظهار انها صانع السلام الوحيد في هذه المنطقة.
شن السادات ثمنا لهذه الخدمات حملة ضد السوفيت هدفها التشهير بالاتحاد السوفيت وبكل من يرتبط معه. علما ان هذا كان ايضا احد الاهداف الرئيسية للولايات المتحدة.
توطدت مواقع السادات في الاشهر الاولى بعد حرب اكتوبر في داخل البلاد على موجة « الانتصارات».
شغلت مصر في الاسابيع الاولى بعد الحرب عن حق موقعا قياديا بين الدول العربية.
بدا ان جميع الاهداف الموضوعة قد تحققت. فهل ان الأمر كذلك؟
ان هذه كلها ظواهر مؤقتة . فبعد مضي عام ...
ماذا حدث لاحقا؟
اهتزت مواقع السادات مجددا في داخل البلاد بسبب التوجه الكامل نحو الولايات المتحدة ، كما لم يطرأ تحسن على الوضع الاقتصادي ، وما كان بوسعه ان يتحسن في وجود مثل هؤلاء الحكام. وبدأت المظاهرات – بدا وكأنها ذات طابع اقتصادي ، لكنها ذات سمة سياسية.والجدير بالذكر ان السادات بدأ مجددا بإعتقال اليساريين. وهذه علامة غير طيبة بالنسبة له.
تراجعت مكانة مصر مجددا. وصارت اللعنات توجه الى السادات في سورية وفي الجزائر ولدى الفلسطينيين ومن جانب القذافي. بينما كان الملك فيصل بن عبدالعزيز الوحيد الذي ابدى رضاه. كما ربطت اواصر المودة بين شاه ايران والسادات . وهذا فقط. ان هذه الانجازات في مجال السياسة الخارجية متواضعة.
وماذا بعد ؟
هل ستنشب حرب جديدة ؟ بتواطؤ او بدونه؟.
يناير (كانون الثاني) 1975
* * *
زرت الاردن بمهمة رسمية في مارس(آذار) عام 1975 . ودعاني ابوزيد الرفاعي رئيس الوزراء لتناول طعام الفطور في بيته. وكان هناك ايضا عبدالمنعم الرفاعي عم رئيس الوزراء عضو مجلس الاعيان وحسن ابراهيم وزير الدولة للشؤون الخارجية الامين العام لوزارة الخارجية وكذلك السفير الكسي ليونيدوفيتش فورونين وشريكي ساشا كالوغين السكرتير الثالث في السفارة.
وفجأة سأل ابو زيد الرفاعي :» أتعرف ان الرئيس السوري حافظ الاسد على ثقة بأن عبور الاسرائيليين الى الضفة الغربية لقناة السويس في اثناء العمليات العسكرية في عام 1973 قد جرى بموافقة السادات ؟».
فأصابتني غصة في حلقي وبحلقت في رئيس الوزراء. فما معنى ذلك ، هل انهم قرأوا افكاري؟ وأبديت دهشتي ، بل حتى نفيت بشكل قاطع مثل هذه الفكرة ، الا انني سألت الرفاعي:» غير مفهوم ، أمر عجيب – وحتى اذا قبلنا بهذا الاحتمال ، فما حاجة السادات الى ذلك؟».
وأعاد الرفاعي السؤال:» كيف لماذا ؟ ان الأسد على ثقة بأن هذا ما جرى فعلا. اما السبب فهو انه كانت ثمة حاجة لاعطاء الفرصة الى كيسنجر من أجل « التدخل» ، ومنحه الحجة لتنفيذ خطته البعيدة المدى « لفصل القوات ودخول الولايات المتحدة الى الشرق الاوسط».
لم أجبه ولم أواصل الحديث حول هذا الموضوع...
وذكر الرفاعي شيئا آخر. فقد كان الاردن يعرف فعلا بقرار مصر وسورية حول بدء العمليات العسكرية لكنه لم يعرف موعد بدئها بدقة. اما الدور العسكري الذي أعطي الى الاردن فهو عدم التحرك وتحشيد القوات على التلال المشرفة على وادي نهر الاردن – من الجهة المعاكسة فقط. ووجب ان يغطي الاردن الجناح الايسر لسورية.
عندما بدأت العمليات العسكرية وظهرت بوادر النجاح غير المتوقع اقترح الملك حسين على مصر وسورية فورا بدء العمليات العسكرية حالما تبلغ القوات المصرية الممرات في سيناء ، بينما تسيطر القوات السورية على مرتفعات الجولان. وأعطى الرئيس السوري موافقته على ذلك فورا. اما السادات فأنه كان يرسل يوميا برقيات تدعو الاردن الى عدم التحرك. وحسب اقوال الملك حسين فأنه كان يرجو الاردنيين عدم التحرك ويبرهن على بكل السبل على ان احتلال اسرائيل ولو « شبر واحد» من الضفة الشرقية سيترك اثرا سلبيا أكثر من احتلال سيناء كلها. وقال لي الملك حسين ان الاردن لم يتحرك طبعا بسبب رد الفعل ذاك ، وكما اظهرت الاحداث انه عمل بشكل صائب. والاردنيون يرتابون ايضا في ان السادات كان يمارس لعبة قذرة.
وقال الاسد في حديث مع الرفاعي انه لن يسمح بأن «تستغل» مصر سورية مرة أخرى ، كما فعلت حين بدأت العمليات القتالية ومن ثم اوقفت اطلاق النار بدون الاتفاق مع سورية ، ومن ثم في عقد مؤتمر جنيف والخروج منه ، وبعد ذلك بدء المفاوضات المباشرة مع اسرائيل بوساطة امريكية وهلمجرا. اذن ذلك هو تقييم الوضع. انه يتفق مع تفكيري ..
وعموما ، لماذا توفي المشير احمد اسماعيل علي ؟ فهو الشخص الوحيد الذي كان يعرف خلفيات الاحداث كلها. لماذا ؟ أو كيف ؟
* * *
لقد ابلغني محيي الدينوف سفيرنا في سورية ان الرئيس السوري حافظ الاسد قال له في 12 أكتوبر (تشرين الاول) حين أوقفت القوات المصرية التي عبرت الى الضفة الشرقية لقناة السويس العمليات القتالية فجأة، انه على ثقة بأن افعال السادات كانت مقصودة ، ووصفها بانها خيانة لسورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.