{ لا أذكر تحديداً المرّة الأخيرة التي تمكنت فيها من زيارة دار الرعاية الاجتماعية بالمايقوما، ولكني أذكر في طفولتي الباكرة أن أمي «حفظها الله» قد اعتادت على اصطحابي إلى هناك لتعلمني فضيلة الحمد والقناعة، فالحمد لله أن جعل لنا اسماً ثلاثياً، وحضناً حانياً، والحمد لله الذي جعل فينا أصحاب المبادرات الطيبة أمثال الفنان الشاب «شكر الله عز الدين» الذي تشرفنا مؤخراً بتلبية دعوته الكريمة لتدشين «الكليب» الإنساني الأول من نوعه الذي جاء من كلمات وألحان الأستاذ «هيثم عباس» وبصوت شكر الله الحاني المميز ليحكي لنا «مأساة طفل» نراه كل يوم على مفارق الدروب ولا نعلم الحجم الحقيقي لمأساته. { وأحسب أن «شكر الله» كان موفقاً في اختيار مكان الاحتفال الذي أقيم بدار الرعاية الاجتماعية بالمايقوما، وبالتعاون مع وزارة الرعاية الاجتماعية، وبتنظيم عال وضيوف على أرفع المستويات، لنقف جميعاً على حقيقة الأوضاع المزرية لهؤلاء الأطفال الذين يتزايدون باضطراد مخيف يدعونا للتساؤل «المايقوما إلى أين؟» وبعيداً عن السرد التفصيلي للاحتفال والقامات المديدة التي وقفت لتسمعنا الكلمات الحالمة والوعود البراقة والآمال العريضة بغد مشرق لهؤلاء الصغار، وبعيداً عن أمنياتنا المستحيلة بأن «تجفف» منابع الخطيئة ويتسع مفهوم العفاف ليغنينا عن كل هذه المآسي اليافعة، لأن هذا تفكير غير واقعي في ظل المتغيرات الاجتماعية والغزو اللاأخلاقي المتواتر وتفاقم معدلات الانحراف والجريمة، بعيداً عن كل هذا أشيد بصفة شخصية بهذه الفكرة الجريئة والجديدة للفنان شكر الله وأركان حربه، الذين أكدوا للجميع أن الشباب لا يزالون بخير وأن الفنانين الشباب مهما اختلفنا أو اتفقنا على تجاربهم الغنائية فإن فيهم جانباً إنسانياً مضيئاً يخدم المجتمع بهذا الفن الرسالي الهادف. { وبهذه البادرة غير المسبوقة يكون شكر الله قد فتح الباب على مصراعيه وأرغم أنداده على المضي في هذا الدرب الخيِّر، وبالفعل فقد تم الإعلان عن التزام العديد من الفنانين الشباب الذين شكلوا حضوراً داعماً ومقدراً؛ بالقيام بمبادرات مماثلة، ومنهم على سبيل المثال طه سليمان - عصام محمد نور- محمد عيسى وغيرهم، كما يحمد لهذه التجربة أن سمحت للعديد من القائمين على الأمر بزيارة دار المايقوما والوقوف على مآسي هؤلاء الصغار، ومنهم الأستاذ «أبو هريرة محمد حسين» الأمين العام لاتحاد الناشئين الذي كان صادقاً في حديثه حين قال إنها المرة الأولى التي يزور فيها الدار ويقف على هموم هذه الشريحة، وقد وعد خيراً، وكلنا يعلم من هو «أبو هريرة» وكفى. {إذن، أطفال دار الرعاية بالمايقوما يحتاجون إلى مثل هذه المبادرة الحميمة والنبيلة التي قام بها شكر الله وفتحت باب الوعود والتبرعات والأمل، إنهم يحتاجون إلى الاهتمام والحنان والدعم، يحتاجون منا وقفة لنتأمل في حالهم وما سيكون عليه مستقبلهم، يحتاجون أكثر من انشغالنا بالتفكير في البحث عن اسم ملائم وبراق نناديهم به بدءاً باللقطاء - مجهولي الأبوين- فاقدي السند - مجهولي النسب، وانتهاءً بالأطفال فاقدي الرعاية الوالدية، يحتاجون منا وقفة قوية لدفع معدلات الكفالة الاجتماعية التي تهيء لهم صدوراً حانية وتعلمهم القيم والأخلاق والدين، فللعلم أن هذه الدور الإيوائية تأْوي ولكنها لا تربي، يحتاجون أكثر من علي مهدي واحد، وكلنا يعلم الدور البارز الذي يلعبه الرجل داخل قرى الأطفال (sos) التي هي امتداد لمآسي هؤلاء الأطفال بالمايقوما، ويحتاجون أكثر من شكر الله عز الدين واحد، وهو ينصب بالإجماع سفيراً للنوايا الحسنة لدار المايقوما، وهو منصب تكليفي أكثر من كونه تشريفياً، ولكنه لها بإذن الله. { أعلم أننا قتلنا قضية هؤلاء الصغار بحثاً، وتشدقنا بالنظريات العلمية والأحاديث الموضوعية، ونادينا بمكارم الأخلاق والالتزام، ولكن لا بد من وجود قانون رادع يلزم الجاني قسراً بالاعتراف بهذا الطفل، وكما قال الصديق خالد الوزير لو سنت الدولة مثل هذا القانون فستجد كل فتاة «جانية» الشجاعة الكافية لتشير إلى شريكها في الجرم، لأنها تعلم أن حقها وحق هذا الطفل الضحية لن يضيع وبالقانون، إني أرجو أن تنظر الجهات ذات الاختصاص إلى هذا المقترح بعين الاعتبار، وأهنئ شكر الله على نجاح هذه التجربة التي أرجو ألا تتوقف، وأشد على يده امتناناً لأنه قدم لنا هذا الدرس البليغ في المسؤولية الاجتماعية، ووضعنا في قلب الحدث مؤكداً أنه نموذج طيب لفنان شاب وإنسان جميل. تلويح: القومة.. للمايقوما..