عند الساعة الثانية صباحاً من يوم الثلاثاء الماضي كانت قناة النيل الأزرق تعيد بث حلقة (أغاني وأغاني) التي احتفت بها، فقد كان ضيف الأستاذ السر قدور الفنان المبدع حمد الريح، كانت أمواج النيل ترتفع ويتجاوز منسوبها (17) متراً وتحيط بجزيرة توتي، وكان صوت حمد الريح يرتفع هو الآخر: (عجبوني الليلة جو ترسوا البحر صددوا) وزادت المخاوف من أن يبتلع نهر النيل درته التي تطل على قاعة الصداقة جنوباً، وعند ذات الصباح أطلقت مناطق جنوبطوكر نداء الإغاثة بعد أن غمرتها السيول القادمة من المناطق الجبلية، وتداعت منظمات طوعية ومبادرات شخصية الى (بيت الفنون) بالخرطوم بحري الذي يديره الفنان طارق الأمين تبتغي رفع الهمة وتقديم المساعدات الإنسانية لمن فقدوا المأوى وصاروا ينتظرون رحمة الله ومن بعدها حسنات أهل الخير. وبخلاف طوكروتوتي فإن مناطق كثيرة تقع على ضفاف النيلين الأبيض والأزرق تعاني من عدم وجود حاجز خرصاني يقيها شر أمواج النيل الذي يهدم البيوت ويجرف المزروعات والآمال والأماني، وعجباً لهذا النيل يدخل الى منازل تنعدم فيها مياه الشرب ولا تصلها الشبكة الرئيسية وكأنه يذكر السلطات المحلية بواجباتها حينما تضيع وسط الملفات اليومية. وفي جولة ل«الأهرام اليوم» بقرى محلية جبل أولياء التي تقع على الضفة الشرقية للنيل الأبيض تتكرر المأساة سنوياً لأسر لا تملك قوت يومها وتبحث عن الرزق منذ الصباح وحتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر. طوكر في بيت الفنون في مساء يوم السبت الماضي انطلقت مبادرة لجمع حذاء من كل طفل دعماً للمنكوبين في قرى جنوبطوكر وذلك ضمن حملة لمنظمات طوعية وشخصية يقودها عدد من الناشطين في مقدمتهم الدكتورة داليا كباشي وصالح عمار والفنان طارق الأمين بغرض توفير الذرة والمشمعات والأدوية والمساعدات الإنسانية. وتنبع أهمية هذه الحملة من أن مناطق جنوبطوكر تبعد حوالى (205) كلم عن عاصمة ولاية البحر الأحمر بورتسودان، وهي تشمل مناطق محلية عقيق التي تبلغ (41) قرية يبلغ عدد سكانها حوالى (151) ألف نسمة يعتمدون على الزراعة والري. فكرة الفنان طارق الأمين كانت عبارة عن جمع «حذاء» لأطفال طوكر بدعم من فرق فنية وشعبية من شرق السودان وجنوبه، وقد تدافعت الأسر للاستجابة مثلما تدافع أهل الخير في دعم المنطقة ببقية المعينات الأخرى بعد أن داهمت السيول القادمة من المناطق الجبلية مساء يوم الأحد الموافق الحادي عشر من شهر يوليو الماضي مناطق مرافيت وقطرنيت وملهاب وتونيت وعندل وعيدب وأبوعشير ورهت وجلهنتي والهنسيلاب حيث بلغ عدد المتوفين (26) شخصاً وتأثرت أكثر من (8) آلاف أسرة بالمياه وتضررت ضرراً بالغاً وهي لا تسكن في قصور مشيدة ولا تعرف الرفاهية أو معنى كماليات الأشياء ملبساً وطعاماً. كانت الفرق الفنية في بيوت الفنون تغني من أجل تقديم المساعدات وتقدم الفرحة عساها تزيل الهم. وكانت داليا كباشي تقول «يمكننا أن نواسي بالكلمة الطيبة هذه الأسر المنكوبة عندما نتحرك إليهم في قافلة تقصدهم بالخير من الخرطوم». الصغار جاءوا بالأحذية يحثون الكبار على التبرع من مال الله الذي آتاهم خاصة وأن شهر رمضان هو شهر الإنفاق والصدقة، الصغار يضعون ما يملكون وينتظرون من الكبار أن ينفقوا مما يحبون. يقول عضو المجلس التشريعي لولاية البحر الأحمر، حامد إدريس سليمان، ممثل دائرة عقيق، يقول في بيت الفنون: إن احتياجات المنطقة العاجلة والهاجس الأكبر للسكان يتمثل في حفر الآبار التي غمرتها المياه وعددها (15) بئراً لأنها المصدر الوحيد للمياه بالمنطقة. ويبدي حامد مخاوف من أن السكان يعتمدون في شربهم على ما تبقى من مياه الخيران الملوثة وتبلغ تكلفة البئر التقليدي (25) ألف جنيه، كما أن صيانة مولد الكهرباء المعطل لتشغيل محطة تحلية مياه مرافيت يحتاج إلى مبلغ (25) ألف جنيه وتحتاج جنوبطوكر كذلك الى مساعدات أخرى مثل الخيم والمشمعات والملابس والأواني المنزلية وأمصال العقارب والثعابين والفيتامينات والذرة والدقيق والعدس والسكر والفاصوليا والزيت وأي مواد تموينية أخرى. ويشير حامد الى أن مناطق جنوبطوكر تعاني إهمالاً تنموياً وغيابا لخدمات الصحة والتعليم ووعورة الطريق مما أدى الى انعزالها عن ولاية البحر الأحمر وبقية الولايات الأخرى في موسم فيضان خور بركة من كل عام. وينبه عضو المجلس التشريعي لولاية البحر الأحمر الى أن المأساة الأخرى تتمثل في فقدان أكثر من (4) آلاف رأس من الماعز والضأن والإبل والحمير والتي تمثل أحد مصادر الدخل للمواطنين ويستفاد منها. اختتم البرنامج في بيت الفنون عسى أن تنطلق قافلة تلو أخرى إلى جنوبطوكر تعيد البسمة لسكانها وتزيح عنهم آلامهم وهمومهم وتبشرهم بغدٍ أفضل قادم.