كعادتها كانت الإنقاذ ذكية وواعية في استيعابها لمجريات التاريخ وذلك بالرجوع إلى الشعب في انتخابات عامة للحصول على التفويض الشعبي.. ورغم الموقف السلبي للبعض حيال الانتخابات إلا أن الإنقاذ بذكائها المعهود الذي عرفت به قد استوعبت الدرس جيداً وتفادت المصير الذي طال سلفيها من الأنظمة الشمولية نوفمبر ومايو، والرجوع إلى الشعب جاء بعد عقدين من الزمان، وهو عمر قياسي، وهذا يرجع إلى وقوف الشعب معها بصدق لأسباب موضوعية، وشارك معها في كل المعارك التي خاضتها ضد المؤامرات الدولية والمحلية. ولا نتعدى الحقيقة إذا قلنا إن اكتساح المؤتمر الوطني للانتخابات كان مفاجأة له قبل الآخرين، وهذه النتيجة التي عمل لها المؤتمر الوطني منذ التوقيع على اتفاقية السلام الشامل عام 2005م ألقت على المؤتمر الوطني استحقاقات كبيرة والوطن يواجه مرحلة مفصلية من أهم المراحل التي يمر بها في تاريخه الحديث، والاستحقاقات في هذه المرحلة تختلف بشكل جذري عن استحقاقات فترة حكم العشرين عاماً لأن مشاكل هذه المرحلة ومعضلاتها تتمركز في أن يكون السودان أو لا يكون، بينما المشاكل التي تصدى لها المؤتمر الوطني في الفترة السابقة تمركزت في أمن النظام واستقراره ويمكن أن نجمل استحقاقات المرحلة الحالية في التالي: { الوضع السياسي الجديد الذي أعقب الانتخابات وضع المؤتمر الوطني أمام تحد جديد وهو أهل له فالمؤتمر الوطني يواجه الآن منفرداً أو متصدراً لقوى سياسية متضامنة معه نتيجة الاستفتاء على تقرير المصير بجنوب الوطن، والنتيجة المترتبة على الاستفتاء يتحملها المؤتمر الوطني وهي مسؤولية تاريخية جسيمة وضعها القدر أمامها. { مشكلة دارفور بدأت صغيرة تمثلت في غياب التنمية بالإقليم وفي الصراع بين المزارعين والرعاة، واجهتها الإنقاذ بأسلوب غير موفق أدى إلى تصاعدها وأجج أوارها التدخل الأجنبي السافر لخدمة مصالحه بالإقليم المهم على مستوى القارة والواعد والزاخر بالإمكانيات الطبيعية الكبيرة، وتفاقمت المشكلة وتوالدت الحركات المسلحة بصورة خطيرة، وأصبحت ألعوبة ومطية في أيدي القوى الأجنبية وهذا الوضع يتطلب سياسات جديدة ونهجاً جديداً في المواجهة يتمثل في المقام الأول في مصالحة القوى الأجنبية، وهذا ما أشار إليه السيد الرئيس في حفل تنصيبه بأنه سيقود حواراً مع القوى الأجنبية. { لا بد أن يعمل المؤتمر الوطني بجدية لاستيفاء استحقاقات الاتفاقيات التي أبرمها مع القوى السياسية، اتفاقية الميرغني، اتفاقية الصادق، اتفاقية الشرق، والاتفاقيات التي أبرمها مع عدد من حركات دارفور المسلحة. { لا بد أن يسعى المؤتمر الوطني وهو الحزب القائد إلى مصالحة القوى السياسية ولا بد من التنازل عن الكثير لإفساح المجال أمام هذه القوى للاضطلاع بدورها في التصدي متضامنة معه للقضايا الوطنية المهمة والخطيرة. { لا بد أن يتخلى المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عن ممارسات التشفي والمكايدة التي سادت بينهما في الفترة السابقة ولا بد من مبادلة التنازلات بينهما التي ستكون في أحايين كثيرة وموجعة للطرفين لكن ذلك لمصلحة الوطن ولاستيفاء متطلبات مرحلة مفصلية وضعها القدر في مواجهتهما. { وأهم من كل هذا لا بد أن يتصالح المؤتمر الوطني مع مجموع الشعب الذي وقف معه وسانده طيلة العقدين الماضيين وبذل الدم والغالي لمساندته وهذا لا يتأتى إلا بالعمل الجاد لتحسين أحواله المعيشية والتصدي بقوة للسلبيات التي صاحبت الأداء السياسي والتنفيذي في الفترة السابقة، ورغم الجهود التي بذلها الحزب الحاكم والنجاحات الكبيرة التي حققها في كافة المجالات وعلى رأسها مجال التنمية والإعمار إلا أن مردود تلك الإنجازات على المواطن كان دون المطلوب وظلت معاناته المعيشية في تصاعد. وأنا أختم هذه الخواطر المبتسرة أناشد السيد الرئيس وقد توجه الشعب السوداني بقلادة يفخر بها بانتخابه رئيساً وقائداً لمسيرته أناشده أن يواصل المسيرة بكل القوة والعزم من أجل بناء وطن موحد وقوي يلبي طموحات وآمال هذا الشعب العظيم.