السوشي، وهو الطبق الشعبي الأول لليابان، يصنع من الرز المخلل، وتتم تغطيته بشرائح نيئة منزوعة الجلد من سمك التونة، وأحياناً يلفّ هذا الرز بحشوات مختلفة من المأكولات البحرية أو الخضروات أو الفطر أو بيض السمك (البطارخ)، وتغلف اللفافة بورقة رقيقة من الأعشاب البحرية للتماسك، ولإضفاء نكهة فريدة. واليابانيون يحبون الأسماك طازجة للسوشي، الذي لا تنفع معه الأسماك المجمدة أو المدخنة، ولكن المياه القريبة من شواطئهم لا توجد فيها أسراب سمك التونة، لذا خصصت شركات الصيد سفناً كبيرة لتبحر إلى أعالي البحار، إلا أنها تحتاج عدداً من الأيام: لتعود للشاطئ: مما يجعل الأسماك المصطادة تصل الأسواق غير طازجة، فلا تروق للمستهلك الياباني الذّواق. وللتغلب على هذه المشكلة زُودت السفن بمجمدات، ولكن هذا لم يعجب المستهلك الياباني أيضاً، الذي يستطيع تمييز طعم السمك الطازج من السمك المجمد،، ولأن الحاجة أم الاختراع وأبوه في غالب الأمر، فقد فكرت الشركات بحل لإرضاء ذوق زبائنها، فزودت سفنها بخزانات مياه لإبقاء الأسماك، التي يتم اصطيادها حية حتى العودة، وبالتالي بيعها وهي طازجة، ولكن من المعروف أن هذه الأسماك بعد فترة قصيرة من سجنها في خزانات الماء تبدأ بالتوقف عن الحركة، بسبب التعب والفتور. ومع هذه الحيلة التكتيكية إلا أن المستهلك الياباني (الصعب المزاج) استطاع تمييز طعم السمكة التي تتوقف عن الحركة، ولم يجد فيها طعم السمك الطازج الذي يريده،،،. الأمر الذي جعل اليابانيين يتوصلون إلى حل مبتكر وفعال، فقد وضعوا في كل خزان (سمكة قرش) صغيرة،،، تقوم بالتحرك والدوران والهجوم، ورغم أنها تتغذى على بعض الأسماك، لكنها تبعث الحيوية في البقية، فالأسماك مجبرة أن تظل تتحرك وتدور إلى أن تعود السفينة إلى الشاطئ: ولهذا فسيبقى مذاقها طازجاً، وكأنه تم اصطيادها للتو. الذي يتأملنا كيف نقبل على حياتنا، يخطر في باله شعور خطير، أننا متعبون حقاً، وخائرو القوى، وأننا مصابون بفايروس الملل والكسل، فحركتنا أقل من بطيئة في غالب أمرها، ولهذا نبدو أقل طزاجة وحيوية من كثير من شعوب هذا العالم، مع أننا دوماً نهرول وراء الرغيف السريع، ودوماً نشتبك مع لقمة الخبز الطائرة، وأننا دوماً تطاردنا أسماك القرش البرية والبحرية والجوية بشراستها من كل الجهات! رمزي الغزوي