ما زالت تستوقفني حادثة عجوز مات زوجها منذ بضع سنوات، لكنها وكعادتها منذ أكثر من نصف قرن، ما زالت تصحو مع أول خيط الشمس، تصبح على شجرة الليمون، ثم تعد على مهل فنجانين من القهوة، وتجلس على كرسيها المقابل لكرسي الزوج الفارغ، وترتشف فنجانها بكثير من النشوة والسرور. فهل ما زال الوهم لذيذاً؟ الإنسان حين يفقد اصبعه أو يده أو رجله، في حرب أو في حادث، يظل يشعر بوجود العضو المفقود، ويحس وكأنه ما زال مكانه يتحرك، فيتخيل وجود يده محاولاً أن يحرك أصابعها، ومن قطعت رجله يتخيل رباط حذائه مرتخياً، أو يشعر بتنمل تحت ظفر إصبعه الكبير. حتماً سيبرد فنجان الزوج الغائب الحاضر، لكن الوهم الذي تعيشه الأرملة، لم يطفأ ولم يتبدد: ربما لأنه منعش جالب لسعادة مشتهاة! حينما تعطي طفلك المصاب بجرح أو أذى قطعة حلوى، فأنت تساعده على تخفيف آلامه. وهذا ما أثبتته الأبحاث النفسية الحديثة، من أن العلاج بالوهم، أو (البلاسيبو)، وهي كلمة لاتينية تعني (I shall Please) أو (سأتحسن)، هذا العلاج يمكنه أن يقلل من شعور المريض بالوجع والمتاعب، تماما كالعلاج التقليدي بالأدوية. وما زال البلاسيبو يستخدم لخداع بعض الرياضيين الذين أدمنوا على المنشطات، فيحقنون حقناً وهمية، تؤدي ذات غرض المنشطات! ما دام (البلاسيبو) قادراً على كل هذه الحلول، فإني سأتمنى على حكومات العالم التالف، أن تبتكر (بلاسيبوهات) خاصة فعالة متعددة الأغراض تصل الناس عبر مياه الشرب أو بأرغفة الخبز، أو ترش بالطائرات. نريد بلاسيبو للرخاء والسعادة، فيشعر الواحد أننا أكثر نمواً من الصين، وأكثر سعادة من السويد، وأكثر استرخاء من سويسرا! نريد (بلاسيبو) خاص لرخص الأسعار، ونريد (بلاسيبو) للإنتحابات، فنشعر بأنها ما زال ذات جدوى وأن المرشحين يتصارعون لخدمتنا فقط! نريد (بلاسيبو) يرينا الكشرة ذات العقد السبعة ضحكة طازجة في الشوارع، نريد (بلاسيبو) للراتب المتطاير، علنا نلمس وصوله إلى منتصف الشهر، ثم لماذا لا يكون هناك (بلاسيبو) للضرائب، فلا نشعر بانسحاقنا تحتها؟! رمزي الغزوي