أكثر من (9) ملايين مواطن يقفون على طول الخط الفاصل ما بين آمال الوحدة وهواجس الانفصال، وما بين الميرم وأبيي و(وار وار)؛ حكاية الخوف والترقب والحذر، فمنطقة أبيي ما زالت تعيش هذا الترقب الحذر من تجدد المعارك جراء الملاسنات والاتهامات المتبادلة بين الشريكين، وهي ملاسنات دفعت الأهالي إلى الوقوف أمام الخط، وقادت إلى خروج الجماهير في كل من أبيي والمجلد في مظاهرات، فخرج أهالي أبيي في مسيرة طالبوا فيها المؤتمر الوطني بالإسراع في تكوين مفوضية أبيي وفق مقررات اتفاقية نيفاشا الموقعة 2005م بضاحية نيفاشا الكينية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، التي منحت المنطقة حق تقرير المصير تزامناً مع حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان.. وهو ذات البروتوكول الذي أقر بأحقية دينكا نقوك والمجموعات الأخرى (المسيرية) بالتصويت في الاستفتاء حول تبعية المنطقة إلى الجنوب أو الشمال في حالة قرر الأول الانفصال في 2011م، إلا أن تفسير هذه النصوص كاد يدخل الطرفين في مواجهات تعجل باندلاع العنف في المنطقة، ففي وقت ترفض فيه قبائل دينكا نقوك، ومن خلفها الحركة الشعبية، مشاركة المسيرية في الاستفتاء؛ يتمسك المسيرية بحقوق القانون والجغرافيا بأحقيتهم بالمشاركة في الاستفتاء، بل أكدوا تبعية المنطقة إلى جنوب كردفان وفق ما جاء في مسيرة المجلد التي سلم فيها المسيرية الأممالمتحدة مذكرة أكدوا فيها تمسكهم بحقوقهم في المشاركة والتصويت في الاستفتاء حول مصير المنطقة، بيد أن مواقف الطرفين من الاستفتاء والمشاركة فيه دفع كلاً من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لأن يتهم الآخر بحشد قواته على طول الحدود الممتدة بينهما، وهو ما يعتبره المراقبون تصعيداً خطيراً بين الطرفين وأن الحرب قادمة لا محالة في حال فشل الشريكين في تسوية أزمة الحدود، وهي أزمة ستنفجر في وقت قريب، خاصة أن الجنوب يتجه نحو موعد حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان. أما منطقة كفي قنجي وحفرة النحاس؛ فهي الأخرى لم تكن معزولة عن الذي يجري في أبيي والمجلد، فهناك أعلنت حكومة غرب بحر الغزال أن هذه المنطقة تابعة لبحر الغزال فدفعت الحركة الشعبية بقوات كبيرة من الجيش الشعبي، إلا أن قيادات وإدارات أهلية بجنوب دارفور طالبت الحركة الشعبية بسحب جيشها، واعتبرت وجوده مخالفاً للقانون. وقال «الفاضل جمعة»، وهو أحد قيادات الإدارات الأهلية بمنطقة حفرة النحاس ويتمتع باحترام الطرفين في المنطقة، قال ل «الأهرام اليوم»: إن الجيش الشعبي جاء إلى هنا بأعداد كبيرة من قواته التي ظلت تعامل السكان معاملة سيئة للغاية، وأضاف: (تلقينا العديد من الشكاوى، لذا طالب المواطنون بسحب الجيش الشعبي من هذه المنطقة فهي ليست لهم، فهم يعرفون حدودهم ويعرفون أيضاً أن وجودهم هنا مخالف للقانون، بل سيدفع المواطنين إلى استخدام خيارات أخرى للدفاع عن أنفسهم في مواجهة ممارسات الجيش الشعبي تجاههم). ويشير جمعة إلى أن منطقة حفرة النحاس و(كفي قنجي) هي جزء من ولاية جنوب دارفور، ووفقاً لقانون الحواكير فهي جزء من أراضي قبيلة الهبانية، ففي السابق كانت الحدود في منطقتي (ديم زبير) و(راجا)، ولكن وفقاً للقانون 1/1/1956 صارت الحدود خلف (تمساحة)، أي عند جبال (إيري) و(تمبيري)، أما (حفرة النحاس) و(كفي قنجي) فوقعت داخل أراضي الهبانية بجنوب دارفور. ويضيف جمعة: (أذكر أن الإنجليز عندما أكملوا ترسيم الحدود وتأكدوا من تبعية هذه المنطقة إلى جنوب دارفور سألوا بعض القبائل التي تنتمي إلى الجنوب: من يريد أن ينضم لدارفور أو الجنوب؟ فطالبت قبائل (البنقي) وجزء من (الكديش) و(النقنقلي) بالبقاء في جنوب دارفور، أما قبيلة (الفورقي) فقالت إنها تريد الذهاب إلى الجنوب، فقام الإنجليز بترحيل هذه القبائل إلى منطقة (خور شمام) إلى خلف جبال (إيري وتمبيري)، لذا أقول إن وجود الجيش الشعبي في تلك المناطق غير مبرر، وهذا ذات الاتجاه الذي يراه عدد من قيادات جنوب دارفور، الذين طالبوا بالإسراع في ترحيل الجيش الشعبي، فتواجده يراه المراقبون قد يعجل بصدام بين تلك القوات والأهالي في حالة عدم سحب الحركة الشعبية لقواتها). إلا أن قيادة الحركة الشعبية في مناطق التماس ترى أن تعايش السكان في تلك المناطق، بما يربطهم من علاقات طيبة ساهمت فيها مسيرة سنوات طوال من التعايش السلمي، يجعلهم وحدة يمكن أن تكون ضامناً للسلام على طول الخط، وقال (ستول أنقوي) المسؤول الحكومي بمنطقة أبيي والقيادي بالحركة الشعبية، قال ل «الأهرام اليوم»: إن قيم التعايش لا يمكن أن تنهار، بل ستهزم الذين يسعون إلى ضربها. وأكد أن الإدارة تنشط هذه الأيام لعقد ملتقى للتعايش السلمي لقبائل التمازج بين المجموعات السكانية التي تقطن على طول خط التماس، ويشير أنقوي إلى أهمية وحدة السودان ويقول: أنا متفائل بأن شريكي الحكم بإمكانهما تجاوز الأزمة، فقناعتي الشخصية بالوحدة تأتي في إطار التزامي الأخلاقي بقضايا الهامش السوداني، فهناك مهمشون في مناطق عدة في شرق وأقصى الشمال والغرب وجنوب كردفان والنيل الأزرق.. هؤلاء قاتلوا من أجل بناء السودان الجديد.. لذا سأظل أعمل من أجل الوحدة، وسأعمل أعلى توحيد الوطن إذا حدث الانفصال. ويرى مراقبون أن ما يجري هذه الأيام من اتهامات متبادلة بين الشريكين بوجود حشود عسكرية على الحدود، لن يؤدي إلى الصدام أو العودة إلى الحرب، وهو ذات الاتجاه الذي أكده الرئيس البشير ونائبه الأول سلفاكير اللذان قطعا بعدم العودة إلى الحرب مرة أخرى، بل التزما بإجراء الاستفتاء في موعده، وهي إشارات اطمئنان لدى المواطنين خاصة السكان المعنيين بأمر على طول الحدود.