برغم ممارستي للعبة كرة القدم، لدرجة اللعب في فريق المدرسة الثانوية الأول، الذي شارك في الدورة المدرسية، ثم ملاحقتها في سنترليق وروابط الأحياء والمنتخبات المحلية، برغم ذلك؛ أعاني من ضعف ممارستها على صفحات الجرائد المتخصصة، وأنظر دائماً إلى أن الكرة تلعب في الميادين الخضراء وليس على صفحات الجرائد الجرداء، ويطربني قول أحدهم إن الشعوب تمارس الرياضة الخطأ، إذ لا يعقل أن يجلس اثنان وعشرون ألفاً ليتفرجوا على اثنين وعشرين لاعباً، لكنني في المقابل أطرب جداً ببعض (اللعبات الطريفة) التي تدور خلف كواليسها، لكن لم يتدحرج انفعالي بهذا الضرب (لسنترليق أفكار وانفعال) الشاعر التيجاني سعيد، فلقد سجل صاحب (قلت أرحل) أدنى مستوى اهتمام رياضي، مستوى يرقى إلى الدرجات القياسية الدنيا، ففي أحد اللقاءات الصحفية؛ سئل الشاعر تيجاني إن كان يشجع فريق المريخ أو الهلال، قال الرجل إنه لا يشجع الهلال ولا يشجع المريخ، فحاول الصحفي أن ينقذه بسؤال آخر، على افتراض أن من التقصير والعيب ألا يكون للمثقف اهتمام رياضي، فسأله إن كان يشجع الفريق القومي السوداني، فقال الشاعر التيجاني بعبارة قاطعة، ولا الفريق القومي السوداني. ثم أردفها (بشوط قاتل) وهو يقول (لو أن الهلال والمريخ لعبا أمام بيتي مباراة كأس حاسمة لما تكبدت مشاق أن أفتح الباب لأتفرج عليهما)! الدكتور كمال شداد إمبراطور الكرة السودانية، وهذا اللقب من عندي، هو الآخر كان من أشهر الذين يستخدمون (ثقافة السخرية) في لقاءاته ومعاركه الجهيرة مع خصومه، ففي لقائه منذ يومين الذي نشر بجريدة السوداني، قال الدكتور شداد إن علاقته مع كرة القدم قد بدأت في سن الخامسة عندما أسس مع أطفال الحي فريقاً رياضياً، وليس هذا هو الخبر، ولكن الخبر هو أن شداداً ابن الخامسة كان رئيس هذا الفريق، فالرجل الذي عرف الطريق للرئاسة منذ تلك السن المبكرة؛ هو لا يصلح إلا أن يكون رئيساً، ومن طرائف هذا اللقاء قوله إنه مارس الصحافة الرياضية، وكان يعمل بصحيفة الأيام، ولكنه فكر ذات يوم أن يترك العمل بالأيام لأن المرحوم بشير محمد سعيد كان لا يسلم عليهم، فاشترط ممارسة عمله بأن يسلم عليه صاحب الأيام، وكان وقتها طالباً بجامعة الخرطوم، وهذا يعطيكم بعض الإشارات للتشكيل الأدبي والنفسي المبكر لشخصية الرجل العنادية، فهنا الشدة والتخندق في المواقف قد بدأت ملامحها مبكراً جداً، ألم يجعل الرجل في معركته الأخيرة جمهورية الرياضة ودولتها تتراجع أمام عناده وجبروته ويستعين برصيده الكروي الدولي (ووقّف البلد على كراع واحدة)؟! في إحدى (مشاداته) التلفازية وهو يعترك كعادته يومئذ مع آخرين من بينهم وزير الشباب والرياضة، قال (في سبيل أن أحضر لقاء الوزير لقد اضطررت أن أستيقظ مبكراً جداً عند التاسعة صباحاً)! ألم أقل لكم إن الرجل يستحق لقب إمبراطور الكرة السودانية وبلا منازع؟ ولا أتصور أن الرجل يهوى هذه الصراعات، ولكن الذين يأتونه في ميدانه يهزمهم بالركلات الترجيحية! صاحب هذه الملاذات يحترم جداً تجربة وتاريخ الدكتور كمال شداد الرياضية، فعلى الأقل أن للرجل علاقة بهذا الضرب منذ (الخامسة)، وأية علاقة! فقد مارس الرياضة لاعباً صغيراً وكبيراً، ثم مدرباً، ثم إدارياً عالمياً، ويكاد الفيفا لا يعترف إلا ببضع شخصيات أفريقية رياضية في صدارتها السوداني كمال شداد، فعجبت للذين دخلوا إلى هذا الميدان بعد سن الخمسين كيف امتلكوا الجرأة ليناهضوا وينازلوا الرجل في الميدان الذي دخله في سن الخامسة! كان الرجل في كل معاركه يصعد على تاريخ رياضي شاهق، بينما الآخرون يصعدون على (كومة فلوس)، لهذا لم تصمد الثروة أمام التاريخ طويلاً. يا جماعة الخير (عليكم الله كرموا هذا الإمبراطور الرياضي السوداني).