في الخامس عشر من الشهر الجاري احتفلت نحو (70) دولة في العالم ب (اليوم العالمي لغسل اليدين)، المبادرة انطلقت من إحصائيات تؤكد أن نحو (3) ملايين ونصف مليون طفل في العالم يموتون سنوياً بأمراض مثل الإسهال وذات الرئة نتيجة التلوث «والوساخة»، وأنه يمكن إنقاذ نصف هذا العدد - أضعف الإيمان - لو التزمنا بغسل أيدي أطفالنا بالماء والصابون. إحصائيات «غسل اليدين» في العالم تبدو مفزعة، في بلداننا العربية - مثلاً - لا توجد إحصائيات رسمية، لكن الانطباعات تشير إلى أن نحو «نصف العرب» من مختلف الأعمار لا يواظبون على غسل أيديهم بالماء والصابون بصورة متكررة، وفي أمريكا - حسب آخر الإحصائيات - يغسل نحو %75 من الرجال أيديهم فقط مقابل %90 من النساء (بعد قضاء الحاجة)، فيما تغسل نحو %30 من الممرضات أيديهن قبل التعامل مع المرضى، و23% من النساء هناك لا يغسلن أيديهن بعد الأكل، و80% لا يغسلون أيديهم بعد لمس النقود، ويغسل %24 من الرجال و39% من النساء فقط أيديهم بعد الكحة أو العطس. في الإحصائيات - أيضاً - أن ثمة (100) ألف عدوى في المستشفيات ترجع لتلوث الإيدي، وثمة %100 من الموظفين والعاملين في أكبر المطاعم الأمريكية كانوا يحملون بقايا فضلات معوية تحت أظافرهم، و12% من الأمريكيين فقط هم الذين يبحثون عن صابون لغسل الأيدي في الحمامات العامة. في ديننا الحنيف دعوات متكررة تحث على النظافة، فنحن نغسل أيدينا حين نصحو من النوم، وبعد الطعام، وحين نتوضأ، ونغتسل يوم الجمعة وعند الطهارة، وكلها واجبات دينية، وقيمة النظافة - بأنواعها - في ديننا تتقدم على أية قيمة اخرى، ولو تأملنا في «الوضوء» فقط وما يحتويه من «إعجاز» علمي لأدركنا كيف يهتم الإسلام بنظافة المسلم في أدق التفاصيل، وفي القرآن الكريم إشارات واضحة إلى ذلك، فالله «يحب المطهرين» والزكاة في الإسلام «تطهر وتزكي» النفوس، وطهارة الثوب أمر إلهي مقترن بطهارة النفس من الذنوب « وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ.وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» كما أن الله تعالى يحب المتطهرين من الناس « فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ » وصفة الطهارة تطلق على الرجال كما تطلق على القرآن أيضا « فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ » وهي - كما يقول اللغويون - أعمق معنى وأشمل دلالة من النظافة، لأن كل طاهر نظيف وليس كل نظيف طاهرا. وإذا كانت النظافة لا تتعلق بالأبدان فقط وإنما بالعقول والقلوب والضمائر، فإن الدعوة إلى (الغسل) وإلى (الوضوء) كشرط للصلاة، وإلى نبذ الحقد والحسد والضغينة والكراهية، وإلى نظافة «اليد» من السرقة واللسان من اللغو والعين من النظرة الفاسدة والعقل من «التلوث» الفكري، تشكل عناوين واضحة للنظافة المطلوبة، ليست هذه التي تتعلق بتخصيص يوم لتذكير الناس بغسل أيديهم بالماء والصابون، وإنما لاعتماد هذه «الغسل» في كل وقت، بدءاً من الضمائر والقلوب وانتهاء بالابدان والأثواب. ما أحوجنا اليوم إلى «النظافة» والطهارة، لا حين نقضي حوائجنا المختلفة، ولا خوفاً من (250) مليون بكتيريا تنتشر فوق جلودنا أو من أمراض تهلك سنوياً ملايين الأطفال، وإنما أيضاً حين نتعامل مع غيرنا، وحين نمارس أفعالنا في البيوت والشوارع، في الاقتصاد والسياسة، وفي كل ما يتعلق بحياتنا ومجتمعاتنا ايضا. تقول لي: لو سمحت اغسل يديك.. وأقول لك: لو سمحت اغسل يديك وقلبك وضميرك دائما بالماء والصابون. حسين الرواشدة