كان أكثر وأحلى ما يشغلنا في مثل هذه الأيام من كل عام أن نجتر ونسترجع ونعيد قراءة وتقييم ما حدث في البرلمان السوداني في عام 1955م. وكان هناك مجلسان، مجلس للنواب وكان رئيسه القاضي بابكر عوض الله، ومجلس للشيوخ وكان رئيسه السيد أحمد محمد ياسين. وبينما كان الثاني من مؤسسي حزب الأشقاء أهم وأقوى الأحزاب التي تشكّل منها الحزب الوطني الاتحادي الذي اكتسح انتخابات الحكم الذاتي في نوفمبر 1953م وشكّل الحكومة الوطنية الأولى برئاسة الزعيم إسماعيل الأزهري، فإن الثاني.. أي القاضي بابكر عوض الله لم يكن حزبياً ملتزماً، وإنما كان قاضياً مستقلاً ويُقال إن الذي رشحه لتبوُّء ذلك المنصب الرفيع الذي هو رئاسة مجلس النواب هو زميله بكلية القانون بجامعة الخرطوم أو كلية الخرطوم الجامعية المحامي الكبير قطب الحزب الوطني الاتحادي الأستاذ مبارك بابكر زروق. وكتبنا ونعيد أن الأستاذ مبارك زروق كان هو نجم المداولات البرلمانية التي أفضت إلى الانجازات الشاهقة المتمثلة في الجلاء والسودنة والاستقلال. وكنا في مثل هذه الأيام من كل عام نجتر ونسترجع ونعيد قراءة وتقييم ما حدث في البرلمان السوداني عام 1955م. ويختلف الموقف جملة وتفصيلاً هذه المرة، فبعد أيام تتغير الحقيقة الجميلة التي عشناها وعاشرناها أكثر من نصف قرن، فالإحتمال الأقوى الآن هو أن ينشطر السودان مطلع العام القادم إلى سودانين، ومن المؤسف أن هذا الانشطار المتوقع لا يجئ ترجمة وتعبيراً عن إرادة شعبية وسط أولئك السودانيين الذين مُنحوا حق الاستفتاء على مصير الوطن كله وليس الجنوب وحده وإنما يجئ تنفيذاً لإرادات دولية وإقليمية لقيت استجابة وقبولاً في داخل بعض العناصر المؤثرة في الحركة الشعبية أو الجيش الشعبي وربما كان العكس هو الصحيح مع التشديد على أن هذا الاحتمال الأخير ضعيف بل إنه لا وزن له عند النظر السليم من كافة الزوايا إلى ما جرى ويجري. ولقد كان السودان، باتساعه وبغناه البشرى والمواردي، وبنيله الخالد المعطاء، وبموقعه، من الدول القليلة في هذه الدنيا المؤهلة لأن تُعد في النفير والعير معاً ولكن! ولن نلقي اللوم كله على الخارج، فقد كانت لنا تقصيراتنا وسلبياتنا وخطايانا. وفي نفس الوقت كان ولا يزال يملؤنا يقين (إبراهيمي موسوي محمدي) بأنه لن يصح في النهاية سوى الصحيح الذي منه أن السودان واحد موحّد من حلفا إلى نمولي ومن الجنينة إلى بورتسودان!