{ ظاهرة خطيرة بدأت تتفشَّى خلال الآونة الأخيرة باستغلال (غير حميد) لقوانين الملكيَّة الفكريَّة والمصنَّفات الأدبيَّة والفنيَّة، فقد تفرَّغ عدد من أبناء وبنات (المراحيم) من عمالقة الفن السوداني - (شعراء وفنانين) - الذين انتقلوا إلى رحاب الله، وتركوا إرثاً عظيماً يُضاف إلى أرصدة ثقافتنا (المحجوبة) عن العالم بفعل (لوبيَّات) الإعلام الغربي والدولي.. تفرَّغ الأبناء لملاحقة المطربين والمطربات الشباب بفتح بلاغات لدى أقسام الشرطة والنيابات وتحرير «أوامر قبض» واستدعاءات في المحاكم بتهمة ترديد (أغنية الوالد) دون أن يُدفع مقابل التغنِّي بها (مال) معلوم.. شهريَّاً أو سنويَّاً ..!! { وقد أدهشني تصريح لأحدهم يتوعَّد فيه فنانة شابة، أبدعت أيَّما إبداع، في (إحياء) وليس (ترديد) أغنية رائعة لوالده الراحل الفنان الكبير، كادت تندثر قبل أن يسمعها الجيل الجديد، ويطرب لها، ويتعرًّف على شاعرها وملحِّنها ومؤدِّيها (القديم)!! { ولم يكتف هؤلاء (الورَّاث) بملاحقة الفنًّانين (السودانيين)، بل مضوا قُدماً في تنفيذ جريمة (حبس) الغناء السوداني - وبالقانون - في (أرفُف) مكتبة الإذاعة ومنع تصديره إلى الشقيقة إثيوبيا أو إريتريا، أو تشاد، أو نيجيريا، بواسطة فنانين وفنانات من تلك الدول، ونقله عبرهم إلى مئات الملايين من سكان المعمورة الذين لا يعلمون شيئاً، لعقود طويلة، عن الفن السوداني. { قبل ثلاث سنوات، عجز أمير الغناء العربي، أو هكذا يسمُّونه، الفنان المصري «هاني شاكر» عن التعرُّف على اسم فنان سوداني، أو أغنية سودانيًّة، خلال حوار على الهواء مباشرةً مع إحدى إذاعات (F.M) السودانيَّة، وبعد معاناة قال هاني شاكر: (أذكر أغنية مطلعها: ازيَّكم كيفنًّكم .. ولكن للأسف لا أذكر اسم الفنان)!! { «هاني شاكر» لا يعرف اسم (سفير) الفن السوداني العملاق «سيِّد خليفة» الذي درس في معهد الموسيقى العربيَّة بالقاهرة، وعاش هناك لسنوات طويلة، ويعرفه الكثير من رموز الثقافة والفن في مصر الشقيقة، معرفة مباشرة وشخصية، فكيف يعرف «شاكر» وغيره من الفنانين العرب راحلنا الكبير« صديق الكحلاوي» صاحب «شقي ومجنون» التي أبدعت في (إحيائها) من الموات الرائعة الشابة «نانسي عجاج»..!! كيف يعرفون عميد الغناء الشعبي «محمد احمد عوض».. صاحب (فاكرك معاي).. و(جافوني الأحباب).. و(عندي كلمة أحب أقولها..).. و(مع السلامة)...؟! كيف يعرفون العميد «أحمد المصطفى»، و«إبراهيم الكاشف»، و«عثمان حسين» و«إبراهيم عوض».. و«زيدان إبراهيم»؟! بل هل يعرفون «كمال ترباس».. و«عبد الوهاب الصادق» والرائع الفنان «محمود علي الحاج»؟! { بالله عليكم.. هل رأيتم «محمد وردي».. فنان أفريقيا الأوًّل يغنِّي على شاشة فضائيَّة عربيَّة؟! { إن قوانين الملكيَّة الفكريَّة والمصنَّفات الأدبيَّة والفنيَّة لم تُوضع لمحاربة الفن السوداني و(إغلاقه) في (معلَّبات) لا تُفتح إلا بإذن أبناء وبنات (المراحيم)، ولكنًّها قوانين لحفظ الحقوق(الأدبيَّة) في المقام الأول قبل (الماديَّة)، ولهذا فإنًّنا نناصر كل من يسعى إلى محاكمة فنان، أو إذاعة، أو فضائيَّة اعتدت على حق المؤلف، والملحن، والمؤدِّي الأساسي، وزيَّفت في الحقائق، أو حاولت نسبة كلمات أو لحن إلى آخر، لكنًّنا ضد (ترهيب) و(ترويع) الفنانين والفنانات الشباب، والإذاعات والفضائيَّات السودانيَّة كلما بثًّت أغاني لرمز من رموز الفن في بلادنا. { فالنتيجة السلبيَّة لهذه (المطاردات) غير المؤسَّسة أن يتًّجه هؤلاء الشباب إلى ترديد الغث من الكلام، وهابط الغناء في الحفلات، مثل: (سنتر الخرطوم)، و(مهند ونور) و(أضربني بي مسدسك.. أملاني رصاص)..!! { والنتيجة الأسوأ أن تتًّجه الإذاعات والفضائيَّات الخاصة إلى بثِّ أغاني و«كليبَّات» «تامر حسني» و«شيرين».. و«نانسي عجرم» و«هيفاء وهبي».. وغيرهم من المطربين والمطربات العرب، باعتباره الخيار الأسهل، ولكنًّه الأسوأ لمساهمته في فرض واقع (الاستلاب الثقافي) على أجيالنا الحديثة في السودان، التي تحفظ عن ظهر قلب أغنيات «تامر حسني» ولا تعرف شيئاً عن «حمد الريح» أو «محمد الأمين» أو «صلاح ابن البادية» متَّعه الله بالصحة والعافية. { لابدًّ أن تتدخًّل وزارة الثقافة، وعلى رأسها الآن الناشط الكبير «السموأل خلف الله»، لتحقيق معادلة تحفظ (الحقوق) وتمنع (الابتزاز) وتفتح كل الأبواب والنوافذ لانطلاقة الفن السوداني.. في الداخل والخارج. { أفهم أن تمنع أسرة فنان راحل (بعينه) مطرباً أو مطربة محدًّدة من ترديد أغنيات (الوالد) لأنًّه/ها يسيئ ترديدها ولا يحسن أداءها، بينما تمنح آخر حق الأداء لأنًّه أبدع وجدَّد فيها بشهادة خبراء وذوَّاقة، كما فعل الراحل «عثمان حسين» مع الفنانة «سميرة دنيا» في حياته. ولكن أن يقول أحدهم: (سمحنا للمطربة «فلانة» بترديد الأغنية بعد أن جاءت إلينا وأستأذنتنا، ولكن لابد أن نجلس الآن معها للاتِّفاق على إيجار الأغنية)..!! إيجار شنُو.. بقالة هي.. وللاَّ شقًّة مفروشة؟ { الشعب السوداني - كله - يمثِّل ورثة (فن) «أحمد المصطفى»، «عثمان حسين»، «الكحلاوي»، «إبراهيم عوض»، «إسماعيل حسن»، «خضر بشير».. «الخالدي».. «الجابري» وغيرهم من الرموز.. ونحن كذلك (أصحاب حق) على «الحلنقي» و«بشير عباس» في استمرار تغنِّي (البلابل) بكلمات الأوَّل السحريَّة، وألحان الثاني التاريخيَّة.. (البلابل) هن أفضل من يؤدي تلك الأغنيات حتى الآن، ومنذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.. ولا داعي للمكابرة. { و«نانسي عجاج» أفضل من غنًّى (شقي ومجنون) بعد «الكحلاوي».. فلا تعكِّروا (مزاج) الشعب السوداني.. فهو أصلاً .. متعكِّر..!!