وسط تأكيدات وتطمينات بعدم حدوث أي تفلتات في كافة ربوع القطر - المهيأ للانشطار - يبدأ مواطنو الجنوب في الثامنة من صباح الغد الاقتراع على مصير الإقليم. وفي الأثناء يسود الهدوء العاصمة الخرطوم المنشغلة في ذاتها بأحاديث الغلاء وارتفاع تعريفة المواصلات وأسعار السلع!! حاضرة الجنوب هي الأخرى لم تكن بمنجاة من موجة الغلاء والتي يعزوها البعض لمغادرة التجار الشماليين، والذين يسيطرون بنسبة كبيرة على مقاليد التجارة في (جوبا). العملية التي ستنتهي في الخامس عشر من الشهر الجاري يرى المراقبون أنها لن تشهد أي تفلتات أمنية خاصة بعد خطاب البشير بجوبا والذي عكس أن الخرطوم ارتضت بالنتيجة مسبقاً، وأنها سوف تعترف بها طالما كانت رغبة الجنوب هي الانفصال، ولكنهم في الوقت نفسه توقعوا بأن يشهد اليوم الأول للاقتراع إحجاما ملحوظا من قبل المقترعين، بيد أنه سيتزايد في اليوم الثاني والثالث والرابع. الجنوبيون الذين سيصوتون بالولايات الشمالية - بحسب الناطق الرسمي باسم المفوضية الدكتورة سعاد إبراهيم عيسى - يقارب عددهم ( 115) ألف مقترع فيما يقارب عدد المقترعين بولايات الجنوب (4) ملايين جنوبي. من جهته أكد جهاز الأمن والمخابرات السوداني استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد. وبحسب المدير العام للجهاز الفريق مهندس محمد عطا المولى عباس فإن عملية الاستفتاء لجنوب السودان ستمضي دون صعوبات واضطرابات بأية درجة. حول ارهاصات الغد سألت (الأهرام اليوم) وزير الدولة بالخارجية «كمال حسن علي» فأجاب: هو يوم عادي سيمر مثلما هو مقرر له، قبل أن يضيف: لا أتخيل أن يكون هناك عنف، سيمارس الناس حقهم بسلاسة في أجواء مهيأة. كمال استبعد في الوقت نفسه قيام الحرب بعد عملية الاستفتاء كما يتوقع البعض، وقال إن الأجواء الآن مهيأة للسلام بعد خطاب الرئيس البشير في جوبا وتأكيده على قبوله نتيجة الاستفتاء، مشددا على أن العداء بين الشمال والجنوب ليس في صالح الطرفين. على الضفة الأخرى فإن المعارضة كعادتها حمّلت المؤتمر الوطني مسؤولية المآل والحال اللذين وصل إليهما السودان. الناطق الرسمي لتجمع المعارضة « فاروق أبوعيسى» اتفق مع الكثيرين بأن يوم الغد سيمر بهدوء، مستبعدا حدوث أي تحرشات من هنا أو هناك. وقال ل «الأهرام اليوم» : «لا أرى مصلحة في حدوث هرج، فالجنوبيون من مصلحتهم أن ينتهي الأمر بسلاسة ليحققوا رغبتهم في الانفصال، والمؤتمر الوطني بعد كلمات البشير في جوبا عمل على تهدئة الأمور كثيراً»، بيد أن الرجل لم ينس أن ينحي باللائمة على «الوطني» في سياساته لكونها السبب في الهزة الاقتصادية التي تزامنت مع مسألة المصير، مضيفا أنها لن تكون الزيادات الأخيرة. وكل هذا يتحمله المواطن البسيط. على الصعيد الدولي فمن الواضح أن الولاياتالمتحدة تريد أن يمر الاستفتاء بسلام، وذلك عطفاً على وعودها المستمرة للخرطوم بتحسين الاقتصاد إذا مر الاستفتاء بسلام، ووعود أخرى برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وترجمت واشنطون ذلك بزيارات كثيرة لمسؤوليها للخرطوم آخرها زيارة رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس «جون كيري»، والذي امتدح كلمات البشير في جوبا بذات القدر الذي حيا فيه كارتر موقف الرئيس وخطابه «المسؤول» بحاضرة الجنوب. «إخواننا بالجنوب واضح أنهم يريدون الانفصال عنا وهذا حقهم فليأخذوه بهدوء» ..!! كانت تلك كلمات المواطن عبد الله أحمد، وهو شمالي استطلعته (الأهرام اليوم) حول توقعاته ليوم غد الأحد فاتفق في رده - للمفارقة - مع النقيضين السياسيين ( الحكومة والمعارضة) : « سوف يمر كباقي الأيام» قبل أن يؤكد على آماله في عودة الأسعار إلى معدلاتها، فهو يعتقد أن زوال هم الاستفتاء يعني زوال كرب البلاد!! أما «جوزيف أتيم» مواطن من الجنوب فيقول ل « الأهرام اليوم» :«رغم أنني انتظرت هذا اليوم كثيرا إلا أنني أخشى تبعاته، فأنا أريد انفصال الجنوب، ولكن هل تستطيع دولتنا الجديدة بناء نفسها بهدوء؟ هذا سؤال كبير نخاف منه»، مشيرا إلى أن كثيرا من الأسر الجنوبية رحلت من الشمال إلى الجنوب، ولكن أوضاعهم ما زالت غير مستقرة، وغير معروف متى ستستقر؟!!