ربما كان أشهر بيت شعر يردده العرب في الهبَّات الشعبية الكبرى خاصة بعد انتصارها، هو ذلك الذي نظمه الشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي ونصه: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد للقيد أن ينكسر ويبدو أنه كي تكتمل صحة البيت يجب أن نضيف كلمات للشطر الثاني ليصبح فلابد للقيد أن ينكسر ولابد للجيش أن يتدخل أو أن ينحاز للشعب، وطبعاً هذه الإضافة لن يكون الشعر شعراً لكنه يصبح أقرب للحقيقة. وبالرجوع إلى أشهّر الهبّات الشعبية العربية الإفريقية في التاريخ الحديث، فإننا نجد أنها لم تتمكن من كسر القيد وإزالة النظام القديم وإقامة نظام آخر، إلا بعد ما انحازت لها القوات المسلحة. وفي البداية فإن هذا الانحياز يكون حياداً بين الحكومة والجماهير التي نزلت للشارع داعية إلى سقوطها ثم يصبح امتناعاً عن ضرب الجماهير تلبية لأوامر الحكومة ثم يصبح انحيازاً سافراً للجماهير. وقد حدث ذلك في أكتوبر 64 هنا في السودان فقد امتنع الجيش عن ضرب المتظاهرين ثم حاصر القصر منحازاً للشعب وكان ذلك عاملاً حاسماً دفع الرئيس الفريق إبراهيم عبود للاستجابة لمطلب الشعب المتمثل في زوال نظامه وعودة الديمقراطية. ثم أعاد التاريخ نفسه في أبريل 1985م عند انحياز الجيش للمتظاهرين المطالبين برحيل النظام المايوي وقائده نميري وإقامة نظام جديد، وتمثّل ذلك الانحياز باستيلاء الجيش بقيادة الفريق سوار الذهب على السلطة ثم تسليمها لممثلي الشعب بعد انتخابات عامة حرة نزيهة شفافة أُجريت في مايو 1986م. ثم تكرر المشهد في تونس قبل أسابيع. فبعد تظاهرات عارمة اجتاحت الشارع التونسي إستمرت شهراً تقريباً تدخّل الجيش لصالح الشعب وهرب الرئيس وشُكِّلت حكومة جديدة لم تحظ بعد بكامل رضاء وقبول الشعب. ومن أسبوع ومصر كلها تقريباً في الشارع مطالبة الرئيس مبارك بالتنحي ووقف الجيش على الحياد ممتنعاً عن ضرب المتظاهرين. ولو أنه انحاز قبل الأربعاء أمس الأول إلى الشعب بالطريقة التي انحاز بها الجيش السوداني للشعب في أكتوبر 64 وأبريل 1985م، لذهب مبارك مثلما ذهب قبله عبود ونميري. لكنه لم يفعل ذلك .. والأرجح أنه لن يفعله بعد ما أصبح لمؤيدي الرئيس مبارك وجود في الشارع المصري بصرف النظر عن حجم هذا الوجود والأسلوب الذي تم به.