من الحجج التي يسوقها أركان وأقطاب نظام الرئيس حسني مبارك ومؤيدوه تبريراً لضرورة استمرار مبارك رئيساً حتى سبتمبر تاريخ انتهاء ولايته، إنهم يمثلون غالبية الشعب المصري بدليل أنه حتى إذا ما كان عدد الذين خرجوا للشارع مطالبين برحيل الرئيس عشرة ملايين أو عشرين مليون فإن عدد الذين لم يخرجوا لا يقل عن ستين أو سبعين مليون. وهي حجة أضحكتنا وذكرّتنا بيتاً شهيراً «ظالماً» في نفس الوقت نظمه الشاعر أبو الطيب المتنبي: وكم ذا بمصرَ مِنْ المضحكاتْ ولكنه ضحكٌ كالبكا ثم نسأل، ما الدليل أو الأدلة على أن الستين مليون الذين لم يخرجوا من أنصار الرئيس مبارك الرافضين لرحيله. وأصلاً فإنه ليس عملياً ولا ممكناً أن يخرج الشعب كله حقيقة لا مجازاً إلى الشارع، والمقارنة الأسلم والأصح هي تلك التي تُجرى بين عدد الذين خرجوا مؤيدين وأولئك الذين خرجوا معارضين، وفي حالة مصر فإنه لا يختلف اثنان في أن عدد الذين خرجوا إلى الشارع مطالبين برحيل الرئيس مبارك أكثر ألوف المرات من عدد أولئك الذين خرجوا مطالبين ببقائه. وكان المتوقع وقد رأى الجيش وأحس أن الشعب في سواده الأعظم يريد زوال النظام ورحيل رئيسه أن ينحاز له بالاستيلاء المؤقت على السلطة. وقد حدث ذلك من قبل في بعض الحالات والدول ومنها السودان في عامي 64 و1985م. والذين خرجوا إلى الشارع في أكتوبر 64 مطالبين بزوال نظام 17 نوفمبر وتنحي الرئيس الفريق إبراهيم عبود كانوا يشكّلون الأغلبية الكاسحة في الشارع السوداني في ذلك الوقت، ولذلك لم يقل أحد إن عدد الذين خرجوا إلى الشارع مليون أو أكثر وأن تعداد الشعب السوداني في ذلك الوقت من أكتوبر 64 هو 14 مليون ولذلك فإنهم لا يمثلون الأغلبية. ثم أعاد التاريخ نفسه في أبريل 1985م، فقد نزل إلى الشارع ألوف وألوف مطالبين بسقوط النظام المايوي وإبعاد رئيسه نميري من الحكم، وخرج مؤيدو الرئيس نميري وكان عددهم أقل من عدد المطالبين بتنحيه. وكان هذا الفارق الواضح في العدد هو الذي جعل الجيش وفي مقدمته وزير الدفاع الفريق عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب ينحاز إلى الشعب ويستولى على السلطة. ولكل شعب ظروفه وأيضاً لكل ثورة. والثابت الوحيد في هذا المجال هو أن المقارنة تُجرى بين عدد الذين خرجوا للشارع معارضين وعدد أولئك الذين خرجوا مؤيدين، وليس بين أي من هذين الطرفين وبين العدد الكلي لأفراد الشعب. فمثل هذه المقارنة الأخيرة التي أجراها أركان وأقطاب نظام الرئيس مبارك جعلتنا ولا تستطيع إلا أن تجعلنا نضحك «بل نموت من الضحك».