{ (سِت الشاي) وجه تاريخي في تراثنا الاجتماعي، ولم نعد نستنكر كثيراً خروج النساء للعمل في هذه المهنة لأسباب قد تتعلق بأوضاعنا الاقتصادية التي ندرك تماماً كم هي حرجة أو لأننا لم نعد نكترث كثيراً للأمور التي تبقى خارج دائرة حيواتنا في لهاثنا اليومي لتحصيل لقمة العيش كلٌ حسب طاقته ومهاراته. { وعموماً - شئنا أم أبينا - فقد أصبحت (ست الشاي) عضواً أصيلاً في كل عائلة بحكم صلتها بأحد أفرادها بصورة أو بأخرى؛ فقد تكون علاقتها بالموظف أو الطالب أو حتى الموظفة أو الطالبة. { وقد اكتسبت (ست الشاي) تعاطف الأغلبية بمن فيهم الدوائر الرسمية فأصبحت هذه الفئة تتمتع بخصوصية عالية لدى الوزارات المعنية بالشأن الاجتماعي بحيث تقام حلقات النقاش والتباحث لدراسة كل ما يتعلق بها ويتم سن قوانين خاصة لها واقتراح مشاريع ووسائل مساعدة داعمة تحفظ لها حقوقها وتشرف على طبيعتها المهنية حتى لا تخرج عن الإطار المسموح به كما يعتقد الكثيرون حتى الآن، على خلفية بعض الاتهامات التي تندد بعمل بعض ستات الشاي على أساس الاشتباه في الخدمات والمشروبات التي يقدمنها. { غير أن معظمنا يتفق على النظر إلى غالبيتهن على أنهن نساء كادحات أرغمتهن ظروفهن الأسرية على الخروج إلى الشارع وامتهان هذه المهنة بكل ما يلازمها من مضايقات وعناء ومطاردات تأتي أحياناً من جهات رسمية، كالمحليات، ويتجاوز بعضها حدود التعامل الإنساني ليدخل في دائرة الإذلال والظلم، رغم أن أُولي الأمر يؤكدون دائماً على ضرورة الترفق بهذه الشريحة على اعتبار أنهن أولاً وأخيراً نساء مستضعفات وللنساء دائماً مكانة مقدرة في شرعنا وأعرافنا. { الآن، تبدّل الشكل التقليدي الذي ألفناه لست الشاي؛ فلم تعد هي تلك المرأة الشاحبة الواهنة التي تتلفح ثوبها البالي ويبدو عليها أثر الشقاء واضحاً. أصبحت (ست الشاي) فتاة يافعة في مقتبل العمر تعتني كثيراً بمظهرها الخارجي وهندامها وتجلس إلى زبائنها في كامل زينتها و(مكياجها) وتعرف عن الموضة وصرعاتها وتتمتع بجرأة قد تصل أحياناً حد الوقاحة. { وخرج الشاي من إطاره التقليدي أيضاً ليصبح له (إكسسوارات) مصاحبة مثل (الفشار) والبخور، كما تقدم مشروبات متنوعة تبدأ (بالكركدي الحار) لأصحاب النزلات مروراً بالقهوة رفيقة الشاي الأصيلة بأنواع مختلفة بعضها بالحليب وبعضها دونه، وانتهاءً بالقرفة والينسون والحلبة والسحلب كمشروبات مستوردة من الحضارة المصرية الشقيقة. وحتى شكل المجلس اتَّخذ طابعاً متحضراً؛ فتبدلت (البنابر) بمقاعد البلاستيك بمختلف أنواعها وأحجامها، وأصبحت ل(ست الشاي) طاولة أنيقة مزينة وبها أحياناً عبارات مضحكة لا تخلو من الحكم والأغاني والمسمَّيات، بالإضافة إلى طاولة «الولاية» الشهيرة وطاولات الإعلانات المختلفة لشركات الاتصالات بمظلاتها الواقية وألوانها البراقة. { فهل يا تُرى خرج شكل الخدمة التي تخدمها ست الشاي أيضاً عن المألوف وعاد إلى دائرة الشك وسوء الظن! علماً بأن بائعات الشاي تعرضن أيضاً لهجمة وافدة فأصبحت المهنة ضاجة بالعديد من الجنسيات أبرزها «الأحباش» أصحاب التخصص العالي في شؤون القهوة والشاي وملحقاتها وطقوسها المبتكرة حتى دخل الأمر إلى تراثنا الغنائي بصورة موسعة على شاكلة (جبنة حلوة حبشية)، أم ماهو المقصود تحديداً؟! { عموماً، أنا أعلن تضامني التام مع (ستات الشاي) الكادحات اللائي يسعين لتأمين حياة كريمة لأسرهن أيّاً كانت الأسباب التي دفعتهن إلى ذلك في عدم وجود بديل متاح، على أن يكون العمل «بشرف» ووفقاً لقيمنا الأخلاقية والتزامنا بمبدأ مراعاة المظهر العام. كما أرجو ألا يتخذ بعض ضعفاء النفوس «كوب الشاي» ذريعةً لإهدار الوقت والتلكؤ أمام البائعات، لا سيما الموظفين الذين يتركون مكاتبهم ويتحلقون حولهن لتجاذب أطراف الحديث والونسة بينما ينتظرهم عباد الله لقضاء حوائجهم، وأعلم أن من هؤلاء الزبائن بعضاً من ضعاف النفوس أصحاب المآرب الأخرى، وبالمقابل هناك بعض من (ستات الشاي) خارجات عن حدود الأدب والاحترام. ولكن القضية أنه لا يمكن إثبات ذلك لأن هذه الظاهرة قد خرجت عن السيطرة تماماً وكل ما يُتّخذ حيالها سيكون له ضحايا بلا ذنب. ولأن جهات الاختصاص تولى الأمر جُل عنايتها؛ أتمنى أن تلتزم أكثر بتطبيق قوانينها بصورة كريمة لا تُلحق الضرر بالأبرياء، فالحقيقة أن بعض المشاهدات لا تنبئ إلا بما يثير الاشمئزاز والعياذ بالله. { تلويح: تُرى لماذا يختلف طعم الشاي والقهوة عند (ستات الشاي) عن ذلك الذي نجتهد في إعداده بالمنزل لأزواجنا؟!