{ وردتني رسالة رقيقة من الأخ الحبيب سيف الدين عبد العزيز إبراهيم المحلل الاقتصادي بالولاياتالمتحدة وأرفق بها المقال الذي أقدمه اليوم للقارئ الكريم تعقيباً على مقالي السابق بعنوان (عندما فزت بالجائزة الأولى لأحسن بحث لعام 2010 بمجلة البحرين الطبية) الذي تحدثت فيه أن البعض يعتقد بأن الإعلام عن الإنجازات على المستوى الشخصي يعتبر ضرباً من ضروب النرجسية وأن على المرء أن ينتظر الآخرين ليتحدثوا عنه بدلاً عن الحديث عن النفس. وذكرت أن هذا النوع من التواضع غير المحبب لا يخدمنا ولا يخدم سمعتنا ولا عطاءنا بل يؤطر من قوقعتنا وجعلنا في حواف النسيان وغياهب الجهل بنا والتجاهل لأن الخوف من الاتهام بالنرجسية والتقيد بنوع من التواضع يجعلنا متواضعين في عطائنا لأننا إن لم نقيم أنفسنا فسنظل هكذا مغمورين والإعلام فن وصنعة والإعلام عن الذات عبر الملفات الشخصية والسير الذاتية أصبح علماً يدرس وتحضر به شهادات عليا كالماجستير والدكتوراه. { يقول الأخ سيف الدين في مقاله الذي أسماه د. المعز عمر بخيت و(أعداء) النجاح: دأبت الشركات العالمية، المؤسسات الأكاديمية وغير الأكاديمية والهيئات الحكومية على انتهاج أسلوب فعال ومنظم في تحفيز وتشجيع منتسبيها على تزويد مكاتب التسويق، الإعلام، العلاقات العامة، والموارد البشرية الخاصة بها بكل الإنجازات التي يحققها منسوبوها سواء أكانت اجتماعية من زواج وإنجاب الأبناء والبنات ونجاحاتهم، إلى الإنجازات الأكاديمية والعلمية والمهنية ليتم نشرها داخلياً على مستوى المؤسسات أو في تقاريرها السنوية للاستدلال على أو تدعيم المعلومات والانطباعات على كفاءة موظفيها ومنتسبيها. { أتذكر جلياً في سنواتي العملية الأولى بعد التخرج كنت حينما أتسلم تلك الطلبات من مكتب التسويق الإعلامي بالمؤسسة التي كنت أعمل بها في الولاياتالمتحدة التي كانت تطلب مني تزويدهم بأي إنجاز شخصي أو مهني وكنت وبحكم خلفيتي الثقافية التي لم تكن تحفزني على (الافتخار) و(التبجح) على الكل بأي إنجاز، كنت فقط أتجاهلها إلى أن علمت لاحقاً وبعد تنوير سنوي أقامته المؤسسة مغزى ذلك الطلب بل وأهميته القصوى لي وللشركة على حد سواء؛ لأن تقييم الشركات لموظفيها بمنأى عن إضافات الموظف قد ينتقص من حقه أو قد يبرزه في شكل خاطئ لغياب معلومة صغيرة يمكن أن تغير المفهوم أو المضمون كان بإمكان الموظف المعني تصحيحها لو تمت استشارته أو الرجوع إليه. وفي حديث مسؤول الموارد البشرية لنا في ذلك التنوير المذكور ذكر لنا أن أحسن من يعرف إمكانيات الشخص هو الشخص نفسه ولذا عوّلت تلك المؤسسات على الموظف شخصياً لأبراز جوانبه الإيجابية حتى لا يغمطه الناس حقه وحتى يتسنى للشركة أو المؤسسة أن تتباهى به للرفع من رصيدها القدراتي بالنسبة لعامليها وبالتالي من أسهمها لاحقاً. { دأب بعضنا في السودان على التهكم على والامتعاض العلني من بعض ممن يحتفلون أو يعلنون عن بعض من نجاحاتهم على الملأ بدعوى أن ذلك منحًى نرجسي أو تباهٍ أو افتخار غير (مستحب) لديهم وهذا في تقديري خطأ كبير خاصةً إذا كان هذا الإنجاز قد تم في محفل دولي أو على نطاق إقليمي يبرز إنجازات السودانيين والسودانيات إلى العالمية. قرأتُ مؤخراً تهنئة لصديقي الكريم دكتور المعز عمر بخيت بفوزه بجائزة مجلة طبية في مملكة البحرين وهي جائزة رفيعة ولكني وكغيري من أصدقاء وإخوان المعز لم نكن لنسمع أو ندري عنها لمشغولياتنا وتفرقنا في أرض الله الواسعة لو لم يكتب الأخ المعز عنها في الملأ لنعرفها ونتباهى بها قبله هو ويتباهى بها السودان. { هناك المئات من أمثال الأخ دكتور معز يفوزون ويتفوقون ويتم تكريمهم دولياً وتنشر الأخبار عنهم ولكنهم يرفضون الإعلان عنها في صحف أو وسائط إعلام السودان خشية الهجوم عليهم من قبل ما أسماهم أخ لنا - لا أود ذكر اسمه حتى لا يتعرض هو أيضاً للهجوم ولأني لم استأذنه لذكر اسمه - حيث أسماهم (أعداء النجاح). لديّ الكثير من الأصدقاء هنا بالولاياتالمتحدة وفي دول كثيرة أبحروا كلٌ في مجاله وأنجزوا ما لم ينجزه جيل من قبلهم، وما ينجزه السودانيون الآن بالخارج هو مصدر فخر لنا جميعاً ولكنهم لا ينشرون تلك النجاحات، بل ويمنعون أصحابهم من إعلانها خوفاً من اتهامهم (بالنرجسية) و(الافتراء) و(رفع النخرة) من قبل تلك القلة التي نصبت نفسها شرطياً للحراك الاجتماعي لتحكم عليه وتصدر التقديرات دونما دراية أو أدنى إلمام بمغزى ودوافع نشر تلك الإنجازات والترويج لها. هذا في تقديري مفهوم خاطئ يجب أن نتخلص منه، حيث أنه لا غضاضة أن يعلن الشخص نفسه عن إنجازاته ولم لا؟ إذا كانت دعوة (أعداء النجاح) هي أن لا تعلن بنفسك وأترك نجاحك ليتحدث عن نفسه أو يتحدث عنه الآخرون، أقول إن تلك الدعوة قديمة وبالية كعقول مصدريها؛ لأن العالم قد تغير الآن والخبر داخل القرية الذي يدوم أعواماً أصبح يمحوه الخبر الذي يليه في قريتنا الكبيرة التي نسميها العالم بفعل العولمة وتمحو الأخبار بعضها لكثرتها وتسارعها، ونجاحات السودانيين في كل المحافل تتوالى وفي كل القارات أي أن ليس لها محيط جغرافي واحد ولأن وسائل إعلامنا لازالت تتمتع بالسلحفائية والانغلاقية المحلية البحتة؛ فأنا لا أعول عليها كثيراً في متابعة تلك الإنجازات وبالتالي ولمصلحة البلد أن يعلن الشخص عن نجاحاته بنفسه. { الترويج والدعاية أصبحت علماً وفناً تجيده الدول والمؤسسات وتستثمره. ووجود الشعب المتطور الذي يتفوق وينجح في جلب المستثمر والسائح والباحث لذلك البلد المروج له ضرورة يتحرى منها المستثمر. ولذا الترويج لكل موارد البلد، بما فيها الموارد البشرية الموجودة بالداخل والخارج التي يمكن استقطابها لاحقاً، غاية في الأهمية مما يدحض تبريرات الهجوم غير المقبول على دكتور المعز وعلى أمثاله وينم عن جهل وسذاجة متناهية. { هذا المقال ليس محاولة للدفاع عن دكتور المعز وإنما استخدمت تجربته كوسيلة لتسليط الضوء على هذه الظاهرة السالبة ولأن دكتور المعز كفيل بالرد على هؤلاء بإنجازاته المتكررة وتفوقه وبقلمه الرصين الذي يخرس قبيلة الجهلاء. ولكن أهمية ما نتناوله هنا بالمعالجة ضروري لأننا إن كنا ننشد النهضة والتفوق لنلحق بركب الأمم التي وفرت لشعوبها الأساسيات لتجعلها تلتفت للإبداع والتطوير، فلا بُد أن ننتهج الأساليب العلمية في تناول أمورنا وأن لا نترك لمن لا يدري إصدار الأحكام والمفاهيم التي تهدر موارد البلد وتثبط من همم متفوقيه ومبدعيه. ولعمري لا أدري من أين أتى هؤلاء بتلك الأفكار البالية؟ لأن الافتخار والتبجح الذي نهى عنه الإسلام ولم تشجعه ثقافتنا هو التصرف الذي يتباهى فيه الشخص بنفسه مع محاولة إذلال أو الاستخفاف بإنجازات الغير، وهذا مرفوض، ولكن دكتور المعز ورفاقه لم يفعلوا هذا وإنما سعوا إلى إبراز وجه السودان الجميل. { النقطة المهمة في الإعلان والترويج لنفسك، وهي الأهم، هي صدق ما تعلنه أو ما أعلنته، فإذا كان ما ذكرته وأعلنت عنه من إنجاز حقيقي وغير مزيف فلمَ لا؟ والله المستعان. سيف الدين عبد العزيز إبراهيم – محلل اقتصادي بالولاياتالمتحدة [email protected] مدخل للخروج: أنا يا وعدُ ما أدركت أن النارَ بين جوانحي برداً و رونق شاعر مشتاق.. لعلَّ الشمسَ فوق جبينك الوضاح قد تاهت بين النورِ والإشراق.. لعلَّ الضوءَ حين رآك ذاب بسحرك الدفاق.. ونامَ الليلُ في كتفيك والأزهار في خديك والنجمات في الأحداق.. تمرد كل ما في الكون بين يديك صار البحرُ في كفيك طفلاً عاق..