واصلت حكومات العالم إجلاء رعاياها براً وبحرا وجوا من ليبيا التي تشهد اضطرابات وأعمال عنف, في ظل تشبث رهيب للعقيد العنيد بأهداب السلطة. وفي ظل التدهور الخطير للوضع الأمني قامت العديد من الدول باستئجار طائرات أو سفن لإجلاء رعاياها. ووصل آلاف الصينيين, العاملين في مشاريع في قطاعات السكك الحديدية والاتصالات والنفط بليبيا, إلى مطار هيراكليون في جزيرة كريت اليونانية في عملية إجلاء بحرية ضخمة أطلقتها الصين بواسطة عبارات يونانية. وتعمل دول آسيوية أخرى على تنظيم عمليات إجلاء لإعادة60 ألف مواطن بنغالي و30 ألف فيليبيني و23 ألف تايلندي و18 ألف هندي. وأعلنت وزارة الخارجية اليونانية عن إجلاء حوالي200 يوناني, أمس الأول الخميس، على متن ثلاث طائرات لنقل الجنود، كما أعلن وزير الخارجية الكندي لورانس كانون عن إجلاء مائتي كندي، واستأجرت سيول طائرة مصرية لإجلاء1400 كوري جنوبي ما زالوا موجودين فوق التراب الليبي. وفي السياق يبحث الاتحاد الأوروبي عن دعم بحري عسكري لإجلاء حوالي6000 من رعاياه لازالوا عالقين، وأعلنت الخارجية الإسبانية أن طائرة عسكرية إسبانية نقلت مساء الخميس124 أجنبياً، من بينهم أربعون إسبانيا, فضلا عن مكسيكيين وبريطانيين وكنديين وبرتغاليين وفنلنديين واوكرانيين ورومانيين وكونغوليين, من طرابلس إلى مدريد، كما قامت ناقلتا جند إيطاليتان بنقل141 شخصا جلهم إيطاليون، بينما وصلت طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني إلى مالطا قادمة من طرابلس وعلى متنها51 بريطانيا، وأعلنت تركيا, التي يوجد25 ألفاً من مواطنيها في ليبيا, عن إجلاء أزيد من7000 شخص, بينهم رعايا دول أخرى طلبت مساعدتها. أما عن طريق البر، فقد أعلن المسؤول في الدفاع المدني التونسي مالك ميهوب، أن حوالي20 ألف شخص من جنسيات مختلفة فروا من ليبيا منذ20 فبراير الجاري. في الأثناء ما زال السودانيون بالأراضي الليبية يعيشون فصولاً قاسية من المعاناه، على الرغم من التوجيه الرئاسي القاضي بتوفير المعينات المادية واللوجستية اللازمة لتسهيل عودتهم. وتأكيدات الخارجية وتطميناتها حول سلامة الجالية. رغم أنها لم تنف وجود تحرشات لم ترتق لمستوى الفعل الجماعي الموجه ضد أفراد الجالية - بحسب الخارجية. وللوقوف على آخر مستجدات الأوضاع بخصوص السودانيين الموجودين هناك أجرت «الأهرام اليوم» عدة اتصالات هاتفية مع عدد من أفراد الجالية، كشفوا فيها عن آحوالهم وسوء الأوضاع التي يمرون بها، حيث أفاد بعضهم بأنهم محاصرون من قبل أطفال يحملون أسلحة لمواجهة وقتل من أضحوا بين ليلة وضحاها محض (مرتزقة)!! الأمر كله حدث جراء استخدام القذافي لجنود أفارقة من بينهم سودانيون لقمع الليبيين -كما يفيد محلل سياسي استطلعته الأهرام اليوم - وللفتك بانتفاضتهم، مذكراً بأن الخارجية السودانية كانت قد أكدت تورط حركات دارفورية مسلحة في العنف الموجه ضد الشعب الليبي، حيث دفع السودانيون ثمن تصريح الخارجية والقنوات الفضائية دماءً وأرواحاً، ما أدى - بحسب محدثنا - إلى إثارة العديد من التساؤلات: هل كانت وزارة الخارجية مضطرة إلى توضيح الحقائق بشأن مشاركة قلة من السودانيين مقيمين بليبيا في مساندة النظام الليبي المتهاوي ؟ والحقيقة أن سفير الجماهيرية في الهند تحدث لقناة الجزيرة القطرية مؤكداً مشاركة مرتزقة من السودان وتشاد والنيجر في قمع تظاهرات الشعب الليبي . وإزاء ذلك كان لابد من توضيح اللبس .. هل كانوا مرتزقة من أبناء الجالية السودانية أم مقاتلين من صفوف حركات التمرد في دارفور المسنودة بواسطة نظام القذافي؟. من جهة أخرى أفاد المواطن أحمد عثمان المقيم بالجماهيرية في اتصال هاتفي أجريناه معه أن هنالك نحو (150-200) مواطناً سودانياً يعانون ظروفاً قاسية ومأساوية داخل المعتقلات الليبية بسبب دخولهم أراضيها بصورة غير شرعية. حيث كان هو أحد المعتقلين في مدينة بنغازي إلى أن تم الإفراج عنه مؤخراً بسبب التأكد من سلامة إجراءاته وطبيعة عمله بإحدى الشركات الليبية. عثمان أوضح ل «الأهرام اليوم» أنه أمضى أكثر من شهرين بسجن بنغازي. حيث رأى الطريقة التي تتم بها معاملة المعتقلين، موضحاً أن البعض منهم بقي سجيناً منذ أكثر من 20 عاماً ولا يعرف أحد عنهم شيئاً، وآخرون تم إعدامهم، وبالرغم من ذلك هنالك من يفضل البقاء على هذا النحو دون الرجوع إلى بلاده بعد تلك السنين وهو يجرجر خيبة أمله وراءه! و يمضي أحمد بالقول وسط نبرات الأسى التي تجلل صوته أن كل الموجودين في السجون الليبية حياتهم أضحت في خطر بعد الأحداث الأخيرة. أما المواطن عادل محمد التوم الذي يعمل محاسباً بالشركة الليبية للألمونيوم، فقد أكد في اتصال أجرته معه «الأهرام اليوم» أن هنالك حوالي (50) سودانياً يعملون في ذات الشركة، وأنه قد تم نقلهم من المنازل إلى معسكرات سكنية تابعة للشركة، مع وضع حراسة مشددة خارج المعسكر من قبل ليبيين لا يقل عددهم عن الثلاثين يعملون في إحدى الشركات الأمنية، بالاضافة لدفع مبلغ (30) ديناراً من قبل الشركة لكل فرد للاتصال بذويه في السودان. التوم مضى مواصلاً: العديد من السودانيين الموجودين في بنغازي تمت محاصرتهم وحبسوا داخل منازلهم، بالإضافة إلى وجود أطفال ليبيين يحملون أسلحة في الشوارع للقضاء على الأفارقة. حيث ملأ الحقد نفوسهم تجاه السودانيين واتهموهم بالتواطؤ مع النظام ضد الشعب، قبل أن يضيف أن المدارس والمؤسسات تم إغلاقها. عادل لم يخف قلقه الشديد على بقية السودانيين، وطالب الحكومة بالإسراع لترحيل البقية، ونفى معرفته بعدد السودانيين الذين قتلوا ووصفهم بالكثيرين. حيث أوضح أن بنغازي أكثر مدينة بها سودانيون.