كان من أخطاء الأحزاب السياسية السودانية خاصة في العهد المايوي الذي امتد من عام 69 إلى أبريل 1985م، التجاؤها واستعانتها واستقواؤها بالخارج. وكانت هذه الأحزاب تزعُم أنها تريد إزالة النظام المايوي لاسترداد الديمقراطية التي عصف بها الضباط الأحرار بالانقلاب العسكري الذي نفّذوه فجر 25 مايو 69 بقيادة العقيد نميري. وكان صحيحاً أن أولئك الضباط أطاحوا بالديمقراطية، لكن الطريق إلى استعادتها ما كان ينبغي أن يتم عبر الخارج، ففي ذلك (تعريب وأفرقة) لشأن محلي كان الأسلم أن نُبقيه في إطاره السوداني مع الإقرار بتداخل المحلي مع القومي «نسبة للأمة العربية» والقاري في بعض الأمور. ومما زاد (الطين بلة)، إن صح التعبير، أن ذلك الخارج الذي التجأت إليه الأحزاب السودانية خلال محاولاتها لتغيير النظام المايوي، لم يكن ديمقراطياً. فقد كان الخارج في ذلك الوقت من أواخر ستينيات وأول سبعينيات القرن الماضي ممثلاً بإثيوبيا إمبراطورياً أوتوقراطياً وكان هيلا سلاسي شبه إله في بلده. وكان هذا الخارج أيضاً ممثلاً ببلد عربي ملكي يفتقر تماماً للديمقراطية، وكان ممثلاً ببلد عربي آخر يحكمه ضابط ديكتاتور اسمه معمر القذافي. كيف ولماذا التجأت الأحزاب السودانية عاشقة الديمقراطية إلى مثل تلك الدول التي ليست لها أيّة علاقة بالديمقراطية. وفي حالة ليبيا كان رفض الديمقراطية سافراً وكان من أبرز شعارات النظام الذي يقوده معمر القذافي شعار «من تحزّب خان». وكانت الأحزاب السودانية التي التجأت إلى تلك الدولة التي يحكمها ذلك النظام تعرف أن الديمقراطية تستلزم أول ما تستلزم وجود أحزاب سياسية. ومن المؤكد أن زعماء تلك الأحزاب اجتمعوا طويلاً وأكثر من مرة مع العقيد القذافي ومنهم بل معظمهم أكثر معرفة وأغزر علماً منه ولكن يبدو ألا أحد منهم تجرّأ مرة وقال للعقيد: «أرجو أن يسمح لي الأخ القائد أن أقول إنني أختلف معك في حكاية من تحزَّب خان». ولم يجرؤوا على ذلك، لا لأنهم جبناء، ولكن لأنهم كانوا ضيوفاً يعيشون على حساب الحكومة الليبية، ولو أنهم كانوا يعارضون من هنا، من داخل وطنهم، لكان من الممكن أن يواجهوا الرئيس سواء أكان هو الفريق عبود أو المشير نميري أو المشير البشير بكل الذي يعتقدونه، لكن ذلك مستحيل عندما كانوا ضيوفاً على القائد أمين القومية العربية معمر القذافي. وإثراءً للمكتبة السودانية والعربية.. وللتاريخ، فإننا نرجو من أولئك الزعماء أن يكتبوا لنا عن بعض الذي كان يُناقش بينهم وبين صاحب «الكتاب الأخضر» القائد الأممي معمر القذافي وعن رأيهم في هذا الذي يجري الآن في ليبيا!!