ليس الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وحده هو المسؤول عن تسويق العقيد الشاب معمر القذافي الذي أطاح - بالانقلاب العسكري الذي قاده - بالنظام الملكي في الفاتح من سبتمبر 1969م. وليس الأستاذ محمد حسنين هيكل هو الصحافي العربي الوحيد الذي رسم لقُرّائه لوحة جميلة واعدة لذلك الثائر أو الانقلابي الذي أصبح في نهايات عقده الثالث مهيمناً على أقدار ومقادير دولة عربية إفريقية متوسطية غنية بالبترول. لكن ثقل مصر ودورها ومكانتها وتأثيرها في العالم العربي وإفريقيا وفي كتلة عدم الانحياز في ذلك الوقت من أواخر ستينيات القرن الماضي، هو الذي جعل دورها في تأييد ودعم ومناصرة العقيد معمر القذافي يبدو أكبر وأهم من أدوار الآخرين الذين أيّدوه ودعموه وناصروه وساعدوه في توطيد أركان نظامه الجديد. ومن هؤلاء الآخرين وربما في مقدمتهم مجلس قيادة ثورة مايو 69 الذي كان يقوده الرئيس جعفر محمد نميري. ولأجل الحقيقة أولاً ولأجل التاريخ العربي الإفريقي المعاصر، ولأجل تاريخ البلدين العربيين الإفريقيين الجارين السودان وليبيا، يبدو جلياً أننا بحاجة ماسة إلى أن نسمع إفادات البعض عن العقيد القذافي في بداياته وعن انقلابه العسكري الذي اشتهر باسم ثورة الفاتح من سبتمبر. ومن أكثر الناس تأهيلاً للكلام في هذه المسائل اللواء خالد حسن عباس والرائد أبو القاسم محمد إبراهيم، واللواء خالد تحديداً مؤهل لأن يحكي أكثر، فقد كان وزيراً للدفاع وقائداً للقوات المسلحة. ولقد أسهم النظام المايوي في ترسيخ نظام الفاتح من سبتمبر الذي يقوده العقيد القذافي. وكان لنظام العقيد القذافي دور لا يُنكر في إجهاض الانقلاب العسكري الشيوعي الذي سيطر على الحكم في الخرطوم في 19 يوليو 71 بقيادة الرائد هاشم العطا، وفي عودة الرئيس نميري للحكم في 22 يوليو 1971م. ولكن سرعان ما ساءت العلاقة بين الزعيمين الشابين جعفر محمد نميري ومعمر القذافي. وأتى على العالم العربي حين من الدهر كان فيه الرئيس نميري يُوصف في الصحافة الليبية وفي إذاعتها وتلفزيونها بالذيل نميري، وكان ذلك إسفافاً ترفع عن مجاراته الإعلام السوداني في العهد المايوي. ولّما أُطيح بالنظام المايوي في أبريل 1985م جاء العقيد القذافي إلى السودان منتفشاً متوهماً أنه هو الذي أطاح بحكم «الذيل» نميري وقد جاراه بعض حكام تلك الأيام في أوهامه. ثم عاد نميري إلى وطنه عام 99 معززاً مكرّماً، وأمضى عقداً كاملاً مطوقاً بتقدير شعبه العظيم واحترامه ومحبته، ولما طواه الموت في مايو 2009م ودعه الشعب إلى مثواه الأخير بمقابر أحمد شرفي وداعاً مهيباً جليلاً حاشداً. هل يستطيع العقيد القذافي بعد خروجه من الحكم أن يعيش عقداً أو حتى شهرين في طرابلس بالنسق الذي عاشه نميري في أم درمان بعد خروجه من الحكم؟!