{ أتصور أنها «جملة مفيدة»، أن تضيف لسيرتك الذاتية عبارة «مُرشح سابق لرئاسة الجمهورية»، فلا زال السَّبَّاح السوداني الأشهر كيجاب يتحرّك بهذه اللافتة (الشاهقة) في المطارات والمدن والمنتديات، وهي «عبارة» لا تصمد أمامها «عبارات السباحة»، بحيث يستطيع أيضاً السيد ياسر عرمان أن يضيف سطراً غالياً لسيرته الذاتية، بأنه قد ترشّح لرئاسة الجمهورية، وذلك قبل أن يُقرر السيد الرئيس حسني مبارك تخلّيه عن رئاسة الجمهورية، أعني قبل أن تُقرر الحركة الشعبية سحبه من ماراثون الرئاسة. { وربما كان الحال يختلف بعض الشيء في حالة الدكتور كامل إدريس «رجل المِلْكية الفكرية العالمية»، لكون سيرته الذاتية مُرصّعة بالألقاب الدولية، على الأقل لن يحتاج كما الآخرين لاستخدام هذا (المِفتاح الرئاسي) في المطارات الدولية والموانئ، بل ربما يجلب له هذا اللقب بعض المصاعب، فالدولة التي ترشّح لرئاستها هي بالكاد ترزح تحت وطأة اللستة الشهيرة، قائمة الدول التي تقول واشنطن إنها ترعى الإرهاب. { لكن في المقابل ربما أن الذي ينقص «حملة الشارات الدولية»، بعد أن تتخلى عنهم المناصب، أو يتخلون عنها لا أدري، ينقصهم نيْل «الألقاب القُطْرية المحلية» والتي أقلاها «رئاسة الجمهورية»، ولهذا لم يترشّح الدكتور كمال إدريس لمنصب إحدى الولايات. (لو سرقنا بنسرق جمل ولو عشقنا بنعشق قمر)! غير أن القصة في السودان مختلفة جداً لدرجة أن رئاسة الجمهورية لا تصلح لرجل في مقام الدكتور كامل إدريس، كيف؟ فالرهان الأشهر المِلْكية الفكرية الدولية ربما كانت العائق الأشهر لتطلعات الدكتور كامل إدريس. فرئاسة الجمهورية السودانية تكتسب شرعيتها من «مِلْكية العصيدة السودانية» وفكرية الفتيرتة وجدلية «المساكن الشعبية»، فأشهر الأشياء التي ميّزت ثوار يونيو أنهم لم يأتوا من جنيف، فلقد أتوا من «زقلونة وكوبر وأم ضريوه»، لدرجة أن ليس للدكتور كمال إدريس عيباً سوى المِلْكية الفكرية نفسها، فربما كانت هذه الشارات الدولية بمثابة جسر في أوروبا وغيرها من العواصم التي (تنوم وتصحى على مخدات الطرب)، كما يقول المطرب حمد الريح. { غير أن الحال في السودان يختلف، يختلف، فلا زالت (الساقية مدورة.. وأحمد ورا التيران يخُب)، وحتى لا أُطلق الحديث جزافاً سيدي كمال إدريس، ربما تلاحظ في كل اللقاءات التي أدارها معك الإعلام المحلي السوداني، قد كان السؤال المحور هو، أن كنت تمثِّل حالة برادعية سودانية، فالسودانيون حسّاسون جداً تجاه «العمليات المستوردة المقرطسة» التي تحتاج «لشوكة وسكين»، وعليه ستحتاج إلى جهد كبير «لتُبث أنك ليس برداعياً، لكن ربما تهزمك بعض خطاويك الأخيرة، فكنت كما البرادعي، لكونك أتيت وناورت ثم بعد ظهور نتائج الانتخابات اختفيت، ولما هبت رياح ثورة الفيس بوك أتيت، أتيت كما البرادعي في شتاء الثورات، فلعل ما لم يؤت بالانتخابات، يؤتى بالثورات، فقط تنقصك خطوة «النزول إلى ميدان التحرير» لتقول أنا موجود مع السودانيين، كما كان السيد البرادعي كان موجوداً في لحظات الثورة الأخيرة. { مخرج، أنا شخصياً كاتب هذه السطور، أتصور أن الدكتور كمال إدريس (ود بلد) ويمتلك مقومات جيدة وأطروحات ومن حقه أن يتطلع لحكم السودان، غير أنه يحتاج إلى ما يشبه المعجزة للتخلُّص من (تساؤلات الملكية الفكرية) المعلّقة، فالشرقيون ينظرون في هذا العالم «أُحادي الوجهة» بأنه لن يسمح لأي رجل من «العالم الثالث» أن يتبوّأ منصباً دولياً رفيعاً ما لم يكن على استعداد لدفع بعض الفواتير الباهظة، لهذا لمّا يتقاعد «أصحاب هذه الشارات الدولية» في الغالب يذهبون إلى «ذاكرة النسيان» بدلاً من أن يكرموا. { مخرج أخير، آه! لو أن دكتور كامل إدريس تخلَّص من عبء «الملكية الفكرية».