{ لم يزعم الدكتور كامل إدريس، المرشح لرئاسة الجمهورية، إبّان تقديمه من قِبل (مجهر سونا) الذي يديره الكادر الإعلامي الخطير الأستاذ بابكر حنين، لم يزعم رجل (المِلْكية الفكرية) بأنه ضد المحكمة الجنائية الدولية التي تدعو منافسه ومواطنه المشير عمر البشير ليمثُل أمامها، وذلك مقابل مُسوِّغات (انتهاكات حرب) حدثت بإقليم دارفور المضطرب، حسب توصيفهم، ولكن حتى نكون أكثر دقة، فإن الدكتور إدريس لم يقل إنه مع (المحكمة الجنائية) ولكن قال (يمكن دحض كل هذه الاتهامات داخل أروقة المحكمة نفسها وداخل مجلس الأمن). وبطبيعة الحال، -والحديث لمؤسة الملاذات-، ليس بإمكان (رجل المنظمة الفكرية الدولية) أن يتصادم مع المؤسسات الدولية، لطالما أن كل كسب الرجل ورصيده الذي يدخل به مونديال الانتخابات هو بالكاد مكتسب من هذه المنظمات الدولية، فكامل إدريس بمعزل عن هذه المنظمات ربما يكون بلا أرصدة تؤهله إلى هذه المنابر، ولكن لسوء حظ الرجل أن هذه الثقافة لا تعني شيئاً كثيراً وسط عامة جمهور الشعب، فلو أن أيّة جهة (رصد فكرية) نهضت باستطلاع بين جمهور الناخبين، ربما تجد أن ثمانين بالمائة من المُستَطلَعين لم يسمعوا بشيء اسمه (المِلْكية الفكرية)، هذا من جانب عامة الشعب، وفي المقابل أن هنالك ثقافة خطيرة تسيطر على معظم المثقفين، لكونهم يربطون بين (المنظمات الدولية والمخابرات الأجنبية) (ثقافة المؤامرة). بحيث ينظرون إلى أي كادر من (الشرق الكبير) يتولى منصباً أُممياً رفيعاً في ظل سيطرة هذا (النظام الأُحادي)، إنما هو بالأحرى (صنيعة أمريكية)، لهذا ستظل حملة الدكتور كامل إدريس الانتخابية ترزح بين مطرقة جهل العامة بماهية المِلْكية الفكرية، وبين هواجس المثقفين وشكوكهم، وهذه أزمة تواجه كل القادمين لأوطانهم بعد انقضاء (صلاحية مناصبهم الأممية)، فبدلاً من أن يستقبلوا استقبال الأبطال في بلادهم، فهم يقابلون بالهواجس والشكوك والظنون. لقد حُظي، على سبيل المثال، الدكتور البرادعي باستقبال (مُفتعل) عند هبوطه أرض بلاده منذ عدة شهور، ولكن كان ذلك نكاية من المعارضة المصرية في الحكومة، بحيث سرعان ما انقلب الأمر رأساً على عقب، وظهرت بعض التقارير الإعلامية تربط بين الرجل البرادعي والهجوم الأطلسي على دولة الرافدين، وذلك بحجة أن دولة العراق تمتلك سلاحاً نووياً، وهذا ما لم يقل به البرادعي في تلك الفترة، ولكن آخرين زعموا بأن الرجل الذي يلاحق (التجربة النووية الإيرانية) لم يقل سطراً واحداً عن السلاح (النووي الإسرائيلي). والمهم أن في خلاصة الأمر قد نجح بعضهم في تجريد (رجل الطاقة النووية العالمية) من أيّة بطاقة وطنية، وبرغم أن السيد إدريس لم تكن لمنظمته علاقة بأي دور مؤامراتي، إلا أنه ظل يُنظر إليه كما لو أنه (برادعياً آخر)، فما وقف الرجل في أي منبر إلا وسُئل عن هذه (الحالة البرادعية)، أين هو منها، وأين هي منه، وحسب تقدير (مؤسسة الملاذات الجناح الفكري)، فإن تجربة السيد إدريس الانتخابية وأطروحاته البرامجية هي خيرٌ من كثير من التجارب الأخرى، وهو يمتلك حزمة برامجية جيدة، وربما يستفيد من علاقته بالغرب في أن يكف عن (ملاحقة السودان)، وربما يرفع اسم السودان من قائمة الدول التي تقول واشنطن إنها ترعى الإرهاب، كما أن الرجل وفي مجهر سونا نفسه، لم يتصادم مع الدين، فقد قرأ الآية الكريمة «لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم». { آه.. لو تخلّص الرجل إدريس من (المِلْكية الفكرية) ولكن كيف يتخلى عنها وهي (رأسماله) الذي يدخل به الانتخابات، وكأني به والحال هذه يردد تلك الأبيات التراثية: فبكل تداوينا ولم يشف ما بنا ٭ على أن قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع ٭ إن كنت من تهواه ليس بذي عهد.