سمحت ظروف مواتية أن ألتقي بالسيد البروفيسور كامل الطيب إدريس عند استقبال إحدى المؤسسات الكبيرة وصادف أنه كان يريد أن يقابل نفس المسئول الذي كنت أريد مقابلته مما أعطاني فرصة للحديث إليه عن قرب لمدة زادت عن نصف الساعة. أول ما يلفت نظرك فيه هو هندامه المرتّب وأدبه الجم، إذ لم يكد يخبر موظف الاستقبال عن نفسه حتى تدخلنا لنعرف الاستقبال به. وكلمة من هنا وكلمة من هناك وأردت أن أستثمر لقائي به لأقدم ما أحصل عليه هدية لقراء هذه الصحيفة. قلت له إن تناولك السياسي يشبه في الداخل تناول الشاعر والأديب الكبير صلاح أحمد إبراهيم ويشبه في الخارج العربي تناول الدكتور محمد البرادعي ....إذ تتفقون في أن لكم تجارب علمية وعملية واسعة اكتسبتموها بالسعي الأكاديمي والأسفار والعمل في المنظمات الدولية والاختلاط بالشعوب ورأيتم أن تشركوا فيها شعوبكم ...فثلاثتكم قد ترشح لمناصب عامة إذ ترون جميعا أن الوصول للمنصب العام سيمكنكم من إيصال هذه الأفكار إلى الشعب حتى تتقدم الحياة. قال الدكتور كامل إدريس إنه يعرف البرادعي معرفة شخصية وإنه يرى وجه الشبه الوحيد بينهما هو أنهما لم يدعما من قبل الدولة للمناصب التي تحصلا عليها في المنظمات الدولية في الخارج فلا مصر الدولة دعمت البرادعي ولا السودان الدولة دعمتني ولكننا حصلنا على ما حصلنا عليه بجهود شخصية مع الأخوة الأفارقة. كان الأستاذ كامل إدريس إذا تكلم عن البرادعي يقول دائما قلت له يا (محمد) كذا وكذا مما يدل على أن علاقتهما اتسمت برفع الكلفة. قلت له إنه ليس من الممكن لأحد من ناحية عملية أن يحكم بلداً إلا عن طريقتين لا ثالث لهما وهما : تكوين حزب قادر على الفوز أو تنظيم إنقلاب عسكري ...وأن الشيء الثالث الوحيد الباقي هو أن يكون عندك حظ كامل كحظ سر الختم الخليفة أو نصف حظ كنصف حظ سوار الدهب ( الجيش المدعوم بحركة الشعب ) أو حظ خاطف كحظ بابكر عوض الله يأتي سريعاً ويذهب سريعاً كما جاء. رأيت كأنه يوافق على ما قلت لكنه يركز على شيء واسع هو تثقيف الأمة وبث الاستنارة والتوعية حتى تأتي الأشياء الجميلة من بعد ذلك تباعاً. بدا لي أن تصورات كامل إدريس وصلاح أحمد إبراهيم والبرادعي للسلطة لا تخلو من الشاعرية الكبيرة هذا إن لم نقل الوهم الكبير، فالسلطان لا يكتسب بهذا التنظير البعيد، إن ابتدأ اكتسابه بالتنظير الطويل فلابد بعد تطاول المدد أن يأتي من يأخذه على طريقته المألوفة وإن اعتمد على التنظير الذي يؤسس قاعدة الأخذ. لا أعرف من الرجال الثلاثة شاعراً سوى صلاح أحمد إبراهيم فهل كامل إدريس أو البرادعي شاعران؟... ليست لدي معلومات إلى الآن ولو أني أراهما يسلكان سبيل الشعراء وإن لم يكونا. ذهبت إلى شبكة المعلومات العنكبوتية أسأل عن الأستاذ كامل إدريس فإذا هو ما شاء الله ممتاز في مراحل دراساته كلها من الشهادة السودانية إلى الدكتوراة، وعمل دراسات تكميلية في الاقتصاد الدولي والتاريخ الدولي والقانون الدولي والملاحة والبنوك، وحصل على مناصب رفيعة دولية ودرّس في مصر والسودان والولايات المتحدةالأمريكية وحصل على ما يزيد على ثماني عشرة دكتوراة فخرية من جامعات: الصين ومولديفيا وأمريكا وبلغاريا ورومانيا وكوريا ومنغوليا وسلفاكيا وأكرانيا والسودان والهند ولاتفيا وأذربيجان وبيلاروسيا وقيرغيزستان وحوالي أربعين وساماً وميدالية وجائزة من كل بلاد الدنيا تقريباً وبنيت مكتبات وقاعات باسمه في جامعة جوبا ومحكمة المِلكِية الفِكرية في السودان وفي هراري بزمبابوي. كيف حصل هذا الرجل على كل هذا التقدير؟.. هذا سؤال مهم. بما أن الناخب السوداني لم يرَ أن يرشح كامل إدريس لرئاسة الدولة فلأية المهام ينبغي أن تنتدبه الدولة وهو سوداني بهذه الكفاءة كلها؟