في أعقاب تنحي الرئيس حسني مبارك؛ بدأت الحكايات تنساب حول الرجل الذي حكم من وراء ستار حديدي، لما يزيد عن ثلاثين عاماً، وعن الرجل الثاني في مؤسسة الرئاسة؛ الدكتور زكريا عزمي، الذي أنشأ هذا الستار وعزل وراءه الرئيس مبارك عن الداخل والخارج، فلم تصله شكوى ولا خبر متكامل المعلومات. كان معلوماً أن مبارك صاحب شخصية قوية حادّة في تعامله مع رجاله في الحكم، ولم تتح للشعب معرفة هذه الشخصية الحادة سوى مرة واحدة، عندما وقعت مذبحة «الدير البحري» بالأقصر عام 1997. حينها كان يستمع من ضابط كبير في أمن الدولة لخطة التأمين، والثاني يشرح باستفاضة الخطة أو الخطة (ب)، فإذا بالرئيس يحتد ويصيح بصوت عال أمام كاميرات التلفزيون التي كانت تنقل ذلك: «خطة تهريج». وبعدها عنف وزير داخليته؛ اللواء حسن الألفي، وأقاله ورفض عودته معه إلى القاهرة من مطار الأقصر على نفس الطائرة. عدد قليل هم الذين يلمون بما كان يجري خلف أسوار قصر الرئاسة، أولهم زكريا عزمي، الذي ما زال فيه -حسب اتصال هاتفي أجراه قبل أيام قليلة مع الإعلامي جمال عنايت، في برنامجه التلفزيوني (مباشر)، وأكد فيه أنه مكلف بذلك من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن ليس كرئيس للديوان، وإنما لتسيير أمور مؤسسة الرئاسة إلى حين تسليمها لشخص آخر. والآخرون ظل بعضهم معه حتى خروجه من السلطة، وخرج بعضهم قبله، مثل الدكتور أسامة الباز، والدكتور مصطفى الفقي، ومحمود صبري الذي كان مديراً عاماً لإدارة المعلومات في مكتب الرئيس مبارك، وقدم استقالته عام 2002. وتقول صحيفة (اليوم السابع) إن ثورة 25 يناير فكت كيس الأسرار، وروت الفضول بماء المعلومات والتفاصيل الخاصة بالكيفية التي كان يدير بها الرئيس مبارك شؤون البلاد، وبأسرار حياته الشخصية وكيف كان يتعامل مع وزرائه ورجاله.. بعد أن كنا نسمع قصصاً مجتزأة عن رئيس لا يقرأ ولا يشاهد التليفزيون ولا يسير في الشوارع، وعن وزراء ومحافظين يحصلون على الشتيمة والسخرية و«الشلاليت» الرئاسية، وهم راضون فرحون إيماناً بالقاعدة التي سادت في عصر مبارك، حول أن «شلوت سعادة الرئيس خطوة للأمام». (5) من مكتب الرئيس ومن قلب ديوانه الرئاسي، بحكم طبيعة عملهم وقربهم، هم الأجدر بالحديث عن تلك التفاصيل وكشف تلك الأسرار، بعضهم أمضى ثلاثين عاماً كاملة بجوار الرئيس داخل القصر، وبعضهم قضى سنوات طويلة أو قصيرة ورحل في ظروف غامضة. في مقدمة تلك الأسماء الدكتور زكريا عزمي رئيس الديوان والمقرب منذ (30) عاماً، والدكتور أسامة الباز المستشار الذي لم يختف إلا منذ سنوات قليلة، ومصطفى الفقي سكرتير المعلومات الذي خرج من القصر ولكنه ظل مقرباً من النظام، ومحمود صبرة، بالإضافة إلى محمد عبد المنعم رئيس تحرير (روز اليوسف) السابق. محمود صبرة المدير العام لمكتب الرئيس إلى عام 2002؛ روى تفاصيل دسمة، منها قصة الدكتور زكريا عزمي مع قصر الرئاسة، وهو الموصوف دائما بأنه «ظل مبارك».. يقول: «كان عزمي برتبة مقدم في الحرس الجمهوري عندما عيِّن في القصر، فاشتغل في سكرتارية المعلومات، وأميناً عاماً مساعداً، ثم بسبب خدماته القريبة جداً من ولدي الرئيس في شبابهما؛ استطاع أن يرتقي إلى ما وصل إليه، وهي خدمات مشروعة تندرج في تخليص أمورهم وشؤونهم، كالاهتمام بهم في مدارسهم وطلباتهم وأمراضهم. ويشير محمود صبرة إلى أن مبارك كان قاسياً وعنيداً: «سمعت أنه كان يتصرف بطريقة مهينة ويضرب ويشتم أحياناً، ويستهين بالآخرين كثيراً». يقول صبرة: «سمعت ذات مرة أنه زار سيناء، فقال له أحد البدو إن حال سيناء أثناء الاحتلال الإسرائيلي أفضل من حالها بعد التحرير، وهذه العبارة أغضبت مبارك جداً، وثار وعنّف المحافظ، ووصلت أنباء أن مبارك ضرب المحافظ بالشلوت»..!!