{ التغيير أصبح كالعدوى، يتناقل بين الشعوب العربية في انتفاضاتها وثوراتها الشعبية التي انطلقت من تونس ومصر، وها هي تتواصل في سيرها في كل من ليبيا واليمن وسوريا.. فما يحدث يُعد سابقة في تاريخ الأمة العربية. { وبالرغم من ذلك كله لم تتضح حتى هذه اللحظة آفاق المستقبل على أرض الكنانة والقرطاج، حيث لم يترجم شعار التغيير إلى فعل جوهري على صعيد الثورتين التونسية والمصرية، فتمرد الشباب على الواقع المر لم يلامس الحقيقة التي انطلق من أجلها بعد، ولم يحقق إلى الآن الأهداف المرجوة لهذه الثورات الشعبية العفوية بظاهرها المنطقي، حيث إن فهمنا لمصطلح النظام يختزل بشخص "الرئيس"، ولذلك اختلط الأمر على شباب هذه الثورات التي استكانت واحتفلت بالنصر لمجرد الإعلان عن تنحي الرئيس أو هروبه، فالأمران سيان. { حقيقة هذه الثورات بدأت تأخذ أشكالاً جديدة في التحليل، ما بين متفق بأنها ثورات انطلقت بإرادة الشعوب، وبين من بدأ يشكك بالإرادات الخفية التي تقف خلف هذه الثورات، التي استطاعت استغلال ظروف هذه الشعوب باتجاه الحق المراد به باطل، أو الاصطياد في المياه العكرة. { وفي جميع الأحوال إن هذا الحراك الجماهيري سيكون كالسلاح ذي الحدين، فالاستعمار قد يريد إفرازات لهذه الثورات تخدم مصالحه وتصل بالمواطن العربي إلى حالة من اليأس والإحباط حتى يصبح غير قادر على النهوض لسنوات طويلة، في حين يأمل شرفاء وأحرار هذا العالم أن تحقق هذه الثورات ما لم تستطع تحقيقه الجيوش العربية في حروبها ضد الاستعمار. فلمن ستكون الغلبة؟؟ { باختصار منطقي وعقلاني إن كانت هذه الثورات تتحرك بإرادات استعمارية خفية، فالغلبة لا قدر الله ستكون للمستعمر الذي ملك مخططاً منظماً لما حدث ويحدث وسيحدث، حتى يدخل هذه المرة بجيوش خفية بعد أن انسحب منها قبل عقود تحت ضغط جماهيري، وفي حال فشل الاستعمار الجديد -لو صح التعبير- ستحتضن الشعوب النصر المؤزر شريطة أن لا تحرق المراحل وتحترم التطور الطبيعي للتغيير، حتى تتمكن من بناء صرح جديد مبني على مصالح بلدانها دون السقوط في وحل الفوضى باسم التغيير، ولقطع الطريق على الطامعين في أمنها القومي. { إذن مهما كانت الظروف والأسباب، فإن العالم العربي أصبح كالملعب الكبير، من سيمتلك فيه الحكمة والخبرة والموهبة والإمكانيات سينتصر، وفي حال التباس الأمر على البعض وفقدان أدوات التشخيص بين الثورة والفوضى، قد نرى المنطقة بأسرها تخوض حروباً يطمح من خلالها المستعمر في فرض ما لم يستطع فرضه بقوته العسكرية، فكيف لنا أن نحفظ هذه الثورات من الضياع ونختار لها بوصلات تبين لنا الاتجاه الصحيح ونجعلها قادرة على فرض ما تحرك لأجله الكثير من أحرار وشرفاء عالمنا العربي؟ فإن كانت نتائج هذه الثورات تقسيماً للأوطان ونهباً للثروات تحت ذرائع مختلفة، فلا وألف لا لثورة تقسم أوطاننا وتدمر ثرواتها، هذا على سبيل المثال وليس الحصر. { لتبقى مصر المؤشر الأبرز في قياس نتائج هذه الثورات بالإيجاب أوالسلب في نظر شرفاء وأحرار عالمنا العربي، وعلينا أن نحترم لكل بلد ظروفه الخاصة، فليس من الضروري أن تتحول الثورات إلى موضة، قد لا تحتاج إليها بعض البلدان. عبدالله المطوع