"بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    الجيش السوداني: كادوقلي تصد هجوم متمردي الحركة الشعبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين أكتوبر وأبريل وثورة السودان المرتقبة
نشر في السودان اليوم يوم 22 - 03 - 2011

مداخلات على مقال الصاوي(الإنتفاضة المصرية) وعيوب معارضتينا "القديمة" و"الجديدة"
أو
ما بين إكتوبر وأبريل وثورة السودان المرتقبة ..
أحمد ضحية - ميريلاند
سأحاول هنا (فيما يلي) تباعا , أن أورد - كوحدة واحدة - مداخلاتي المتفرقة في "سودانيز أون لاين", على بوست مقال الأستاذ محمد بشير أو "عبد العزيز حسين الصاوي" : (الإنتفاضة المصرية وعيوب معارضتينا القديمة والجديدة).. تناقش هذه المداخلات ,بعض الأفكار والإشارات التي وردت ضمن هذا المقال الهام جدا .. خاصة أن المناخ العام الآن, فيما يشبه إعادة إنتاج لمناخ التحرر في العالم الثالث ,الذي إستمر لعدة عقود منذ الثلاثينيات حتى الستينيات ..
ففي ربيع التحرر الراهن, الجميع بحاجة لوقفة لتحليل الفشل , عسى ولعل أن يتم التوصل لجذور الأزمة السودانية المستمرة .. لذلك أتفق مع الأستاذ الصاوي :أن القوى التي جاءت بالتغيير المنسوب إلى الديموقراطية في إكتوبر 1964 وأبريل 1985 أسهمت هي نفسها في الإنقضاض على هذا التغيير الذي كان من الممكن أن تتصحح مساراته ليفضي إلى ديموقراطية حقيقية! .. وفي ظني أنها أزمة عامة تعاني منها معظم دول العالم النامي ,سواء في أفريقيا أو العالم العربي..
السودان كنموذج إختارت قواه اليسارية التنظيم السري بمبادئه العسكرية المركزية,والذي يعمل بفعالية تحت الأرض في الأقبية والأوكار, أكثر من فعاليته في الضوء ,وربما يعود ذلك في أحد أسبابه لا للقمع السلطوي الذي يتلقاه من الانظمة الإستبدادية فحسب , بل أيضا لأن هذا التنظيم – قبل الإستقلال - كانت مناطة به مهام"التحرر الوطني- أيام الإستعمار" سواء في آسيا أو أفريقيا.. وبعد أن أُنجزت مهمة طرد المستعمر -لا في السودان فحسب بل- في العديد من دول العالم الثالث وقتها (تجدر الملاحظة هنا إلى أن جواهر لال نهرو, كان قد أشار في مؤتمر باندونج موجها خطابه لزعماء ومناضلي الشعوب التي نالت إستقلالها :"أن أشد ما يخشاه أن توجه البنادق, التي كانت مرفوعة في وجوه المستعمرين, إلى صدور الشعوب !!.. وهو بالفعل ما حدث ؟!..) .. وهو كما ذهب مقال الصاوي تماما نتيجة لأنه : لم يكن هناك تصور لمهام ما بعد الإستقلال, وبطبيعة الحال بحكم الإرث اليساري المركزي العقائدي الشمولي, لم تكن الديموقراطية جزء من هذه المهام ,للتعارضات الجوهرية بين الشيوعية والقومية العربية والليبرالية ..
هذا في تقديري جانب من الأزمة, التي ترتب عليها إنقلاب مايو 1969 بعد فشل أكتوبر 1964 .. هناك جانب آخر لفشل أكتوبر في تقديري الخاص يتعلق بقوى اليمين والطائفية .. أذكر أن إحدى الصحف السودانية, قامت بإجراء إستطلاع قبل فترة حول : ثورة أكتوبر, وتم سؤال شباب جامعيين عديدين عن : ماذا يعرفون عن ثورة اكتوبر؟ فكان رد غالبيتهم العظمى أما أنهم لا يعرفون عنها شيئا , أو أنه حدث إرتبط بالإنقاذ ؟ هذا إن لم تخني الذاكرة. ولنا أن تقيس على ذلك ,عند الإجابة عن الرصيد الإستناري لشباب اليوم, الذين ولدوا في عهد الإنقاذ؟! .. فلإنقاذ غيبت جيلا بكامله حتى عن تاريخه القريب وليس البعيد !..
إذا كان الشباب والقوى السياسية حريصون فعلا على تحقيق (الثورة السودانية),التي يحصل فيها الشعب فعلا ,على إستحقاقاته الديموقراطية المستدامة ,لابد من العناية والتشديد على عدم إعادة إنتاج, الفشل في تحقيق شعارات ثورتي إكتوبر وأبريل على أرض الواقع...
فيما يخص القوى الطائفية ,غني عن القول أنها ورثت النفوذ السياسي،وبحكم أنها لم تكن تتمثل روح الأحزاب السياسية الحديثة : لا تنظيما ولا إدارة . أصبح المنضوون تحت لواءها ,مجرد أتباع وحواريين وليسوا أعضاء لهم حقوق ,ويتمثلون تصورا محددا ,فيما يتعلق بالديموقراطية والمواطنة. عليه ظلت القوى الطائفية تنظر للسودان في إطار"النفوذ السياسي الموروث ,إما عن ما خلفته المهدية من زخم , أو النفوذ الختمي الديني- الصوفي" بالتالي أنعكس ذلك على نظرتها للسودان .فهو مجرد مملكة , ترغب في توريثها لأبنائها, وهي في ذلك تتكيء على قيمة أموية شهيرة"الملك العضوض", لذلك من الطبيعي أن يترتب على تمكين الطائفية بعد أكتوبر, إستشراء الفساد والتغييب ، بالتالي بدأت "روح الغبن" في إنتزاع المواطنة والحقوق ,وهي مفاهيم أساسا خارج دائرة الوعي الطائفي .. لذلك في تقديري الخاص , مثّل هذا أحد عوامل الإنقلاب على أكتوبر ,من قبل القوة التي أسهمت في صناعتها..
فماذا عن قوى اليمين الأخرى كالحركة الإسلامية أو الاخوان المسلمين :هؤلاء بطبيعة إلتقاءهم مع الطائفية في مشروعها الإسلاموي, كانوا شركاء لها , بل أن الطائفية - كما أثبتت الأحداث من بعد في أبريل 1985 - هي رصيد التوجهات الإسلاموية الحديثة وإحتياطيها وليس العكس .. إذا لا قوى اليسار التي أشرنا إليها, في المداخلة الاولى. ولا القوى الطائفية واليمين, الذي خرج أساسا من عباءتها.. كلتيهما لا تعني المواطنة والديموقراطية والتنوير, أي شيء لهما , ولذلك كان إشتعال الحرب في الجنوب ,وتقويض أبريل 1985 ,على الرغم من أن اليسار السوداني أجتهد كثيرا لإحتكار ثورة أكتوبر- الأمر نفسه حدث لأبريل – إلا أن الثورتان تظلان ثورتان شعبيتان, ساهمت فيهما كافة قطاعات الشعب السوداني وقواه السياسية ..
لكن الصحيح أيضا أنه من الغريب أن العبء النضالي الأساسي لصناعة أكتوبر وأبريل ,وقع على عاتق اليسار السوداني بشقيه الأممي والقومي .. ومع ذلك من ورث أكتوبر وأبريل هما الطائفية والجبهة الإسلامية .. وربما يسهم هذا في الإجابة عن سؤال : لماذا وإلى أي مدى تساهم النخبة السياسية في الإنقلاب على الديموقراطيات ؟! انه سؤال مستمر ومفتوح !!..
لكن أبرز ملامح أكتوبر- كما هو شائع - أن لجنة الإثنا عشر التي تمخضت عن الحكومة القومية ,فشلت في التوصل لحل "لمشكلة السودان في الجنوب" ,فالقوى التي جاءت بأكتوبر, وكانت تعيب على الفريق عبود ,تعامله العسكري البحت مع "مشكلة السودان في الجنوب" ما أن ورثت السلطة ,حتى بدأت تمارس هواية "التسويف السياسي" – مع ملاحظة أنها لم تنجز شيئا ذا قيمة ,مقارنة بإنجازات عبود على كل الأصعدة - بإستثناء الصعيد السياسي- هذا التسويف الذي ننكره اليوم على الجبهة الإسلامية الحاكمة منذ 89 ,هو إمتداد لتسويف كل الحكومات الماضية ,بل هو موروث منها.وهو أمر لا يقل خطرا عن النظرة العسكرية البحتة ,التي هي الشيء الأساسي الذي -لطالما - تمت إعابة نظام عبود على أساسه! ..
إذا كانت "النظرة العسكرية البحتة" وليس الفشل في "الإنجاز" ,هو ما يعاب على عبود مما ترتب عليه ثورة أكتوبر , فما يعاب على القوى السياسية, أنها قوى غير ديموقراطية ولا تحترم المواطنة ,بالتالي هي قوى "غير راشدة" ,ظلت بإستمرار تغامر بمستقبل البلاد ,على كل الأصعدة .وليس على صعيد المواطنة والديموقراطية فحسب . ولذلك جاءت مايو1969 ..
زبدة القول هنا : أن ثورة أكتوبر ,ترتب عليها ما هو جيد وما هو سيء.. طبيعة كل الثورات .. لذلك النظرة المثالية في قراءة أكتوبر وأبريل, بحيث لا يتم - فحسب - الإحتفاء بها كهبات جماهيرية ,تعبر عن الشعب وروحه, وزخم تاريخه ومسيرته العامرة بالكفاح.. أي الإكتفاء فقط بتبيان الجانب الإيجابي ,من هاتين الثورتين , وإغفال السلبيات. لا يفضي سوى للرَّدة ,بالإنقلاب على هذه الثورات العظيمة! ..
المطلوب إذن هو تصحيح المسارات, وهو الغرض الأساس لمقال الصاوي القيم,في المقارنة بين ثورة مصر والمعارضة التي جاءت بأكتوبر والمعارضة التي جاءت بأبريل , وكيفية تفكير القوى الجديدة عموما – خصوصا كما تتمثل في الشباب الثائر الآن- لأن الأمر يتعلق بمستقبل أمة بكاملها , يجب أن تتمتع بكافة حقوقها وحرياتها .. وخصوصا إقرار مبدأ المواطنة وإقرار الديموقراطية كأداة وحيدة لتداول السلطة "وسلميا" .. لأن الديموقراطية هي حكم القانون لا "البلطجة التي تمارسها أجهزة الأمن الآن إلى حد إعتقال و إغتصاب الطالبات المتظاهرات" , وكما رأينا في تجارب مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين ,وغيرها من دول إنضمت لربيع التحرر العربي, أو ستنضم لاحقا أن أعمال "البلطجة", من يقوم بها, هم (وزارة الداخلية والمخابرات والأمن )..
وعلى الرغم من أن عبود مثلا ,لم يكن كإبن علي أو القذافي أو صالح .. إلا أن البشير و صقورالمؤتمر الوطني ,أسوأ من أي طغاة شهدهم التاريخ البعيد , بل هم أسوأ من السوفيات ,الذين جعلو من سيبيريا سجونا للمعارضين, فقط لأنهم طالبوا بحقهم في الحياة الحرة الكريمة!! ..
كما لا يمكننا أن نغض الطرف ,عن أن حكومة ثورة 21 أكتوبر 1964 هي من (نجر) "مصطلح الصالح العام" – الذي مهد لتصفية "الإدارة الاهلية " ,دون دراسة وفي خرق متعمد لقانون التطور المرحلي.ما ترتب عليه بصورة من الصور حريق دارفور فيما بعد - قبل أن يظهر الجنجويد على سطح الأحداث-هذه حقيقة .. وهذا تاريخ, لأن تيار الثورات التونسية ,المصرية ,الليبية واليمنية ,يطغى منذ نشوب هذه الثورات على الإعلام , بالتالي تشكيل الوعي العام في إتجاه محدد , بالأحرى إتجاه "ثوري" لأن الأمر في نهاية المطاف, سيتحول إلى إتجاه"ثوروي" أكثر منه "ثوري" ,مالم يتم تصحيح المسارات فيما يخص السودان, لتفادي أخطاء تجارب نمتلكها كسودانيين , ولا يمتلكها لا التوانسة ولا المصريين,أو الليبيين أواليمنيين ..
إذن أكتوبر تمخضت إلى جانب التسويف السياسي , وسوء التخطيط في التنمية لبناء الأمة والوطن و الدولة ووحدتها- خصوصا تجاه الجنوبيين ودارفور, ومناطق الهامش الأخرى..
تمخضت أكتوبر وأبريل أيضا عن التناحرات الحزبية والشخصية بشكل رئيسي! ..وهذه الأمور العديدة ,هي ما أجهضت أكتوبر كما أجهضت أبريل ,فلم تعد سوى ثورة في المعنى ,يغنيها كبار فنانينا ,وربما نتحسر ونأسف عليها أسفا نبيلا , كما عند بعض الفنانين , كغناوي الحسرة المستمرة فينا عليهما..
أزمة اليسار "أنه غير تقدمي".. بشقيه القومي والأممي, لأنهما ظلا يعيشان بعيدا عن تعقيدات الواقع العملي للحياة السودانية .. وردما الهوّة بين الواقع وما ينبغي أن يتحقق فعلا ,بالبيانات والمنشورات و.. بالشعر والأغنيات .. وهذه الأشياء على أهميتها ,لن تكون بديلا عن العمل السياسي الفعلي, لإنجاز مهام بناء الدولة الوطنية الموحدة .. دولة المواطنة .. دولة الديموقراطية ..دولة الإستنارة .. دولة كهذه لا يمكن أن تتحقق في المنشورات السرية أو الكتابة على الجدران – خصوصا في عصر الفيس بوك - أو البيانات والمراسيم ,ولا يمكن أن تتحقق في المعاني الشعرية ,ونضال الكمنجات .. اليسار لا يزال غير واقعي .. حالما بما هو أسوأ من "حالم" كولن ولسن!..
في الوقت نفسه يعمل الإسلاميون على ربط الشعب بالتاريخ ؟!.. بالماضي وليس الحاضر/ الواقع الفعلي الذي يعيشه السودان اليوم .. يتصورون أنهم يقنعون الشعب (بالإمتثال للفتاوي التي لاتزيد الثورات قيمة ولا تنتقص من قيمتها ,سواء أفتت لصالح هذه الثورات أو ضدها, فهي تماما كمزاعم رائحة المسك, التي تفوح ممن يقطعون البصل من أخوات نسيبة ,دعما لمجاهدي صيف العبور؟!.)..
وفي الوقت نفسه الترابي يتصور أنه إمتداد لحركة التجديد الديني, كما عند الكواكبي أوالطهطاوي أو محمد عبده.. هذه مفارقات ,فرواد حركة التجديد الديني, لم تنتج أفكارهم مجرمي حرب ! .. الترابي كرمز للإسلام السياسي في السودان, يعاني ما يمكن أن نؤمن عليه بلغته هو نفسه .. يعاني الأشواق(التي خالها بُشريات كما ظل المؤتمر الوطني أيضا يزعم ) وبصرف النظر عن كل ذلك ,مفارقة أن يصبح الترابي بقدرة قادر"معارضا معترفا به من قبل اليسار قبل اليمين إن كان لايزال هناك يساربمعنى يسار في السودان, فأي يسار هذا يتبنى فيه زعيم الحزب الشيوعي نقد تطبيق الشريعة الإسلامية؟! " ..
مثل هذه المفارقات, إنما تدلل على ضعف اليسار من جهة, وتؤكد في الوقت نفسه على أن "الغبن لا المواقف المبدئية مما ظل يجري منذ 1989" بمثابة العامل الخطير جدا في السياسة السودانية !! فالترابي لا يتعدى حدود كونه شخص مغبون - مع أن الغبن وحده لا يكفي – فهو مغبون إبتداء, لأن قدره وضعه في دولة طرفية من العالم العربي والإسلامي (السودان ولم يولد في الجزيرة العربية مثلا) , فالسودان دولة ليست ضمن تاريخ الفتوحات العربية أو الإسلامية , التي حسمها في السودان (رماة الحدق)..
المفارقة أيضا هنا تكمن في أن غبينة الترابي ضد من صنعهم بنفسه ! أليس هذا شيئا جديرا بأن يوضع في إعتبار الثورة السودانية المتوقعة لتجنب مآسي الماضي ! بإعتبارها ثورة تحركها المواقف المبدئية من الديموقراطية , كهدف ووسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى,كما أشار من قبل دكتور علي خليفة الكواري,ولا تحركها غبائن الماضي وحدها.. والماضي هنا هو حقبة الإنقاذ بشرها الصرف, غير المسبوق في كل الأنظمة الإستبدادية ,سواء في السودان أو الإقليم!..
السودان في تقديري الخاص شيء مختلف تماما , فهو بلد متنوع وهو عبارة عن أفريقيا مصغرة بكل مشاكلها ,التي يتقاطع فيها ما هو عربي وافد ,مع ما هو محلي أصيل .. لذلك إرتبك اليسار القومي ,كما أرتبك قبله اليسار الأممي , فالسودان ليس دولة صناعية حتى يحلم الشيوعيون سنة1953 بقيادة الثورة الأممية لتجتاح كل أفريقيا ؟! أو حتى يحلم القوميون العرب تحت راية عبد الناصر أو صدام أو الأسد, بانهم يستطيعون خلق موالي جدد؟!..
اليسار إرتكب مفارقات, لأنه لم يتعامل مع البنى الإجتماعية التي تشكل السودان, ويحللها. ليستخرج منها القوانين التي تصلح لتجذير الديموقراطية في السودان .. وهو الشيء نفسه الذي فشل اليمين والطائفية في التعامل معه رغم إدراكهما له, وذلك لكون هذه القوى القديمة ,ليس لديها موقف مبدئي من الديموقراطية , سواء داخل أحزابها ,أو على مستوى السودان .. خصوصا أن للجميع رأسمال رمزي, يخصهم في سبيل الوصول إلى السلطة – أعني القوى السياسية عموما- لذلك من الضروري إشتغال التنوير ,في مجتمعاتنا السودانية ليتمكن السودانيون في التحليل النهائي ,من إدراك أنفسهم , وموقعهم من هذا العالم الجديد ,الذي لم يعد هو ذلك العالم القديم نفسه.. و كذلك لإدراك إخوتهم الآخرين بثقافاتهم المختلفة .. لا بديل إذن عن التنوير والتعليم المبني على معنى الإستنارة ,لإنتشال السودان من هذه المفارقات ..
قد تبدو هذه المداخلات كأنها تحمل تعارضات لأفكار مقال الصاوي , لكن في الحقيقة لا تعارض هناك ,بقدر ما تحاول هذه المداخلات مناقشة أفكار مقاله, بما هي أفكار ذات قيمة كبيرة ,خصوصا عندما تتعدد زوايا النظر في تناولها ,بربطها فيما نظن أنه خلفياتها أو تناصات معها .. وهو ما أسعى إليه حتى في المداخلة القادمة ..
بالطبع جميع من لهم رأي مختلف ,عن السائد في النظر لمشاكل السودان وأزمة الديموقراطية المستفحلة ,في قواه السياسية القديمة وفي المجتمعات السودانية, يلاقون الأمرين.. ولكن لن يكون ذلك بديلا عن الإستمرار في النقاش والتحليل وإبداء الرأي .. حتى نجد مخرجا ..
وكما يذهب كثيرون في تقييم أبريل, بأنها نتيجة تخلي الإسلامويون عن مايو ,في إطار دعاية الإسلامويون لأنفسهم,بأنهم هم القوة الحقيقية التي تحرك الشارع!,وهي مزاعم غير صحيحة , بأي حال من الأحوال, فهم ليسوا الشعب السوداني,هم فقط مجرد قوة بين قوى عديدة.. كما أن الثورة كعملية, لا يصنعها تنظيم وحيد , بل تصنع الثورة بتضافر مجهودات القوى المختلفة , وبتضافر جهود الشباب الثائر ,مع كافة فئات وشرائح المجتمع في العاصمة والأقاليم – فهذا هو ما حدث في أكتوبر وابريل وفي كل الثورات التي تنقلها لنا الفضائيات الآن- إلى جانب أن الثورة تمر عادة بمراحل عديدة , ما تؤدي لصنعها..
مصر مثلا.. هؤلاء الشباب لأكثر من خمسة سنوات ,يعملون على صناعة الثورة .. لم يتركوا شيئا لم يجربوه سواء : حركة كفاية أو جمعية التغيير أو الفيس بوك .. فعلو كل شيء تقريبا, فكانت النتيجة بعد مجهود خمسة سنوات هي ما نراه الآن! .. ثورة حقيقية ,نأمل أن تؤتي ثمارها .. مع أنه يلوح في الأفق الآن ,أن ثمة عمليات تدجين تجري لها ,بالإكتفاء بالتعديلات الدستورية, بدلا عن إلغاء الدستور.. ومن يتبنى التعديلات ويعارض الإلغاء: هم الأخوان المسلمون ,والحزب الوطني وليس شباب الثورة..
قبل أن أدلف إلى مداخلتي الأخيرة(والمطولة) أرغب في "التفاكر" حول سؤال صغير : لماذا تجاوز التوانسة والمصريون أحزابهم وقياداتهم السياسية ,حتى يتمكنوا بعد أكثر من خمسة سنوات من صناعة هذه الثورات العظيمة, التي أشعلت فتيل كل المنطقة .. ببساطة لأن القوى السياسية في كل المنطقة ,تم تدجينها- دجنت من قبل الأنظمة الإستبدادية التي ورثت الإستعمار, بأشكال أسوأ من أشكاله كإستعمار - السؤال الصغير هو : هل سيتمكن "شباب السودان" من صناعة خاتمة الإنتفاضات والثورات, التي ترد لبلادنا الكبيرة إعتبارها؟ أعني أن يتجاوز هؤلاء الشباب الميرغني والمهدي ونقد والترابي ...
لا زال السؤال مستمر : الشرط الرئيسي لإنعتاق شعب السودان ,يكمن في تجاوزه لهذه القوى السياسية العتيقة, التي لا ترى في المواطنين سوى أتباع أو(جماهير شغيلة بلغة الشيوعيين), والتي لا ترى في أعضاء أحزابها, سوى شيئا أقل من الأتباع أنفسهم , فدورهم هو أن يحملوا الأباريق لغسل يدي مولانا أو السيد الإمام أو الرفيق نقد , فزعماء أحزابنا السودانية التاريخية هم كالقذافي ,ولا فرق بينهم وبين البشير فجميعهم"قادة ثورة تاريخية لن يتورعوا لو صلوا للسطة بإنقلاب, في مطاردة الشعب زنقة زنقة" , فهؤلاء زعماء تاريخيون لا يتغيرون بالمؤتمرات الحزبية الزائفة, لكن يجب أن يتغيروا الآن بالفعل الثوري الديموقراطيمن قبل هؤلاء الشباب,الذين أدركوا طبيعة التحولات الديموقراطية التي تطال العالم الآن.
وللمفارقة على الرغم من عدم ديموقراطية هذه الأحزاب القديمة, يطالب زعماءها بالديموقراطية بالديموقراطية, مع أنهم "يعملون على توريث حتى قيادة أحزابهم لأبناءهم"؟! ..هذا هو الواقع الذي لا يمكن غض الطرف عنه !.. إذا أردت الديموقراطية إبدأ بنفسك .. إجر إصلاحات ديموقراطية داخل حزبك , أرح هذا الحزب أو ذاك من هذه القيادات التاريخية, التي تنتخب في كل مؤتمر .بالإتيان بوجوه جديدة ,خصوصا من بين القيادات الشابة, التي يجب أن تستمر في تجاوز قياداتها التاريخية الملهمة ,بعد ذلك يمكن الحديث عن مدى نجاح الثورة من عدمه ..
هناك مشكلة أخرى, تتعلق بالقوى الجديدة عموما,والتي تتبنى الديموقراطية, بينما لم تحدث لها قطيعة كاملة حتى الآن, مع نظم التفكير العقائدي المركزي, الذي وفدت به من القوى اليسارية أو اليمينية ,التي كانت تنتمي إليها سابقا. عدم إحداث قطيعة فكرية مع نظام تفكير الإنتماء السابق , هو العامل الرئيسي ,الذي يقف خلف الإنقسامات والتشظيات, التي ظلت تطال مثل هذه القوى ,منذ ميلادها حتى الآن.إذ لا يمكن أن تدير تنظيم ديموقراطي بعقلية جبلت على المركزية, ولا تبذل أي مجهود للتخلص من هذه المركزية! ..مثل هذه القوى أيضا بحاجة لتجذير الديموقراطية داخلها أكثر وأكثر,بل عليها أن تتمثلها فعلا,حتى لا تظل تمثل الصدى أو الإنعكاس من عقلية الحرس القديم ..
بقية السؤال هو : ماهو مصير القوى السياسية القديمة, أو القيادات التاريخية التي تحكم الأحزاب حتى الآن, والتي أودت ببلادنا إلى هذا الدرك؟.. عن نفسي شخصيا أقترح أن تتحول أحزاب كالأمة والإتحادي والشيوعي والجبهة الإسلاموية بعشائرها وأفخاذها وبطونها المختلفة ,إلخ .. لجمعيات خيرية أو منظمات مجتمع مدني, أو أشياء من هذا القبيل.. مع أنها ستفشل حتى في هذه الأمور!!.. لكن على الأقل ,ستجد نفسها لديها أشياء تنشغل بها, بعيدا عن السياسة التي فشلت فيها تماما!! ..
المفارقة هنا أن هذه القوى إلى جانب المؤتمر الشعبي ,ستسعى جاهدة لوراثة مجهودات ونضالات هؤلاء الشباب .. إذن ليضع الشباب منذ الآن نصب تفكيرهم هذا الأمر .. وهي ليست نصيحة ولكن مخاوف !!.. لا خلاف حول ضرورة الوعي بالأهمية الكبيرة للتعددية الديموقراطية, فهي بأجهزة ضبطها الثقافي والإجتماعي والسياسي,إلخ ..تضمن السلام , والتصحيح للأخطاء ,ومحاربة الفساد , بحكم إستقلالية أجهزتها الرقابية , وما تمارسه من ضغوط لتصحيح مسارات الحكومة(كما يحدث الآن في العراق) أو (كما يحدث في لبنان) فعلى الرغم من أن ديموقراطية لبنان مثلا , مبنية على أساس حصص الطائفية ,إلا أننا لا نستطيع غض الطرف,عن أن ممثلوها يأتون عن طريق الإنتخابات؟.. الآن هناك وعي متنامي في لبنان, يرفض هذا الأمر نفسه (الطائفية) فلبنانيون كثر ,بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم ,يرفعون أصواتهم الآن لتصحيح ديموقراطيتهم ,بأن لا يجيء أحد إلى السلطة على أساس طائفي , بل على أساس البرنامج , بل مضى الشباب أبعد من ذلك, بمطالبتهم: إلغاء قوانين الزواج الطائفية وإعتماد الزواج المدني لكل اللبنانيين بصرف النظر عن طوائفهم أو مذاهبهم أو دياناتهم ..هذه نقلة نوعية في التجربة الطائفية اللبنانية ..إذن لا قيمة للمخاوف التي تعتري المراقبين, من صعود الإسلام السياسي كمخاض لهذه الثورات ..
من جهة أخرى دول قبلية عشائرية كليبيا واليمن ,تتحدث بلغة واحدة حول الديموقراطية كمطلب للشعب ,تنازلت فيه القبائل والعشائر – خصوصا في اليمن- لا عن سلاحها فقط لتخوض المسيرة السلمية,بل توحدت شعبيا من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ,محطمة كل حواجز وأسوار النزعات العشائرية, التي لطالما أفسدت تطور اليمن السعيد!..
عليه وضع هذه الدول بما فيها مصر وتونس , شعوبها شيبا وشبابا أنفسهم .. إذا الشعب أراد أن تحكمه قوى الإسلام السياسي, فهذا خياره !كما أختارت لبنان من قبل الطائفية,التي ترغب في التخلص منها الآن !..
لذلك لا أرى أن هذا أمر مزعج - أعني تمخض هذه الثورات عن صعود الإسلامويين - فالديموقراطية إذا جاءت اليوم بالإسلامويين, لا يعني ذلك أنها ستجيء بهم, في كل دورة من دوراتها ,وهذه ميزة الديموقراطية .تكمن قوتها في قدرتها على تصحيح تجربتها نفسها بنفسها..لذلك ليس مهما أن تكون قوى الإسلام السياسي , والطائفية مبدئية في موقفها من الديموقراطية ,أو تؤمن بها صدقا- وهي قطعا ليست مبدئية ولا تؤمن بالديموقراطية , لكن بعد كل هذه الثورات لن تسطيع هذه القوى, أو لن يكون بمقدورها الإنحراف بالبرامج التي يريدها الشعب,بتزييف إرادته و فرض برامجها الإسلاموية أو الطائفية التي تتسم بضيق الأفق, فهناك روح جديدة بادية للعيان, بثها هؤلاء الشباب . جزء أساسي في هذه الروح المستشرية ,مالعبه تطور وسائل البث المباشر من أدوار,إلى جانب الأدوار,التي يلعبها الإعلام الجديد عموما ,في كشف وفضح المستورات ,وتعبئة الشعوب والقدرة على تحشيدها سلميا ..
كما أن ليس بمقدور أحد إلغاء قوى الإسلام السياسي, بسبب عدم مبدئيتها من الديموقراطية , ببساطة لانها جزء من هذه الشعوب وبناها الإجتماعية .. لذلك من مصلحة هذه الثورات, وضع جند إصلاح التعليم في مقدمة أولوياتها , لقطع الطريق أمام أي جهة لإستغلال الدين في العمل السياسي.وكما رأينا في الحالة المصرية, تنازل الإسلامويون ,حتى عن إسم حزبهم(الأخوان المسلمين) تحت ضغط الشعارات الوطنية السلمية للشعب وأبناءه الشباب ..
أما فيما يخص موضوع الفتاوي التي يطلقها الإسلامويون كالقرضاوي, أو مجلس علماء المسلمين - بصرف النظر عن موضوع هذه الفتاوي أو موقفها من هذه الثورات- في ظني أن هذه الفتاوي, لن تقدم ولن تؤخر كثيرا , فشباب الإنترنيت من خلال الإطلاع على شعارات ثوراتهم يعلمون - في ظني- أن فتاوى الإسلامويون ,تجيء في سياق إلجام العوام عن الكلام, كقاعدة أموية. ألف فيها ,علماء السلطان, حتى الأحاديث لدعم الأنظمة الفاسدة, ويرغبون الآن في ركوب الموجة , فهؤلاء هم علماء المسلمين ذاتهم, الذين صمتوا عما يجري في دارفور!! وهم ذاتهم الذين لطالما قالوا للشعوب بطاعة ولي الأمر أي الحاكم!.
وآخيرا,هذه الظروف التي تمت فيها الثورات الحالية, تختلف من شعب لآخر. حسب طريق تطور كل شعب.لكنها جميعها - في كونها كثورات- تشترك في بعض الأوجه - حسب ظني- إذ تلتقي في الآثار التي خلفتها الثقافة الإسلاموعربية, التي يشتركون فيها جميعهم , لذلك درجات تأثرهم بمتناقضاتها الطائفية والقبلية والمذهبية , إلخ .. تتفاوت بين قطر وآخر, حسب درجة تعمق قوانين هذه الثقافة, في مكوناته البنيوية الإجتماعية..
هذه الثورات من جهة أخرى, وفي السياق نفسه. هي رد فعل للمهمشين, والذين تم التمييز ضدهم من قبل "ثقافة الجبر والإستبداد" الإسلاموعربية.. بالتالي هي في وجه من وجوهها ,ثورة ضد كل الهزائم والفساد والإنكسارات والغبائن, التي ترتبت على الجبر والإستبداد..
فهذه الثورات نتيجة تراكم لكل المظالم والغبائن ,عبر عقود طويلة من الزمان .. كل ما نأمله أن تتمخض هذه الثورات في المنطقة ,عن حالة أشبه بحالة(الثورة الفرنسية)..
أما فيما يخص أن ثوراتنا السودانية - إذا جاز لنا تسمية ثورة 24 أو أكتوبر1964 أو ابريل1985 , فهذا صحيح إذ توفرت للثورات الحالية من عوامل تراكم في الغبن والهزائم والفساد (كحوافز أساسية) ما لم يتوافر بهذه الدرجة لثورة 24 التي سبقت خروج الإستعمار بما يزيد عن الثلاثة عقود , أو وأبريل اللتان تلتا الإستعمار بعدة عقود .. هذا إلى جانب أن العالم كان متماسكا أكثر . لم يشهد الإنهيارات التي يشهدها الآن, في ظل الثورات الحالية.. أعني الإنهيار التي أفتتحت بإنهيار الإتحاد السوفيتي وجدار برلين , والأزمات الإقتصادية الدولية ,والحروب الإقليمية والداخلية ,خصوصا الحرب على العراق.. لذلك تجيء هذه الثورات في ظروف مختلفة تماما ,يشهدها عالمنا الراهن .
أحمد ضحية – ميريلاند
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.