مشروع شركة الأنهار بالجزيرة أنشئ منذ أكثر من عشر سنوات.. معاناة ممتدة عاشها، وما زال يعيشها، سكان منطقة «ود راوة» بولاية الجزيرة، وتضرر منها أكثر من (2000) مواطن ب(17) قرية، كان ذلك حين منحت مؤسسة الأنهار لإنتاج المحاصيل الزراعية ذلك المشروع الذي تعددت تجاوزاته، إذ صدق لقيامه في منطقة وأقيم في أخرى، وجاءت رخصته الاستثمارية في مساحة (40) ألف فدان لم يستثمر منها سوى 30% فقط و14 بنداً في العقد الذي وقع بين المستثمر والملاك لم ينفذ منها شيء، هذا بالإضافة إلى حدوث اشتباكات وإطلاق الرصاص، مما أدى إلى إصابة عدد من سكان المنطقة. وزارة الزراعة بولاية الجزيرة أقرت ل«الأهرام اليوم» بحقوق الأهالي وملاك الأراضي واعترفت بتجاوزات المستثمر، بينما أنكرت وزارة الزراعة الاتحادية معرفتها بالمشروع من أصله. مدير عام وزارة الزراعة بولاية الجزيرة أكد ل«الأهرام اليوم» أن الجهات المسؤولة أخطأت في عقدها الأول مع المستثمر، لكنها أدركت ذلك وحاولت إنصاف الأهالي بإبرام عقد إضافي، لكن المستثمر لم ينفذ ذلك!! تساؤلات ليس هناك من عاقل يرفض فكرة الاستثمار زراعياً أو صناعياً كهدف استراتيجي للدولة ووسيلة للتنمية والخدمات، ولكن أن يكون الاستثمار مذلة وحرماناً لأصحاب الحق والأرض التي توارثوها كابراً عن كابر، وتعايشوا عليها ومنها وأن يصبحوا غرباء عنها وتصبح غريبة عنهم، هذا ما لا يرضي الله رب العالمين! مما جعلنا نطرح حزمة من الأسئلة: هل هذا هو الاستثمار الذي تسعى الدولة جاهدة لإرساء ركائزه وتسهيل إجراءاته؟ هل هذا هو الاستثمار الذي تسعى الجهات المسؤولة بالدولة لجعله واحداً من برامجها للارتقاء بمعيشة المواطن ورفاهيته؟ كانت كلها تساؤلات طرحت من قبل مواطني منطقة (ود راوة) بالجزيرة الذين لجأوا في وفد إلى الصحيفة لطرح مظلمتهم.. تجاوزات: «الأهرام اليوم» التقت الأستاذ الفاتح الخضر؛ مقرر لجنة ملاك الأراضي، الذي أكد أن هذه المشكلة بدأت منذ أكثر من عشر سنوات وظلت تؤرق سكان ومواطني محلية «ودراوة»، حيث منحت مؤسسة الأنهار لإنتاج المحاصيل الزراعية هذا المشروع برخصة استثمارية زراعية بمساحة 40 ألف فدان في الأراضي الزراعية في «ودراوة»، ويواصل: كان ذلك دون إخطار الأهالي وأصحاب الحيازات والملاك المستفيدين من تلك الأراضي لعشرات السنين زراعة ورعياً واحتطاباً، منح المستثمر ال40 ألف فدان في مشروع يسمى «باقدو» في الجزء الشرقي، حيث أكد والي الجزيرة في اجتماع عقده مع المواطنين، أن الجزء الغربي الموازي لنهر النيل ويسمى «مشروع الهدى الإسلامي»، مستبعد من المشروع، وعند بداية التنفيذ الفعلي فوجئ الأهالي وأصحاب الأراضي بدخول الآليات والتركترات في الجزء المستبعد وهو الجزء الغربي، متعللين بأن الجزء الشرقي لا يصلح لأسباب عدة، مع العلم أن شهادة البحث وإلى الآن باسم «باقدو»، فنتيجة لذلك حدثت اشتباكات عدة بين العمال والمواطنين، أدت إلى تدخل الاحتياطي المركزي، وتطور الوضع إلى إصابة عدد من المواطنين، ويمضي مواصلاً: اجتمع الوالي بأصحاب الأراضي ووعدهم بحفظ حقوقهم، على أن تحدد مساحة المشروع بإصلاحات بارزة وأن تكوّن لجنة فنية لتحديد ملكية الأفراد بالبيانات والأوراق والمستندات الثبوتية وتحديد نسبة لتعويض أصحاب وملاك الأراضي، وبناءً عليه تم تنفيذ البندين الأول والثاني، وظل الثالث محل خلاف. وتوصلت مساعينا مع وزارة الزراعة الاتحادية لمساندتنا بمشروعية مطلبنا الذي حددناه ب25% من المساحة الكلية للمشروع، على أن يتم ريها من قبل المستثمر. ظللنا على ذلك الحال إلى حين إصدار الوزارة منشوراً حددت فيه حقوقنا، وبناءً على ذلك اجتمعت وزارة الزراعة مع أهالي مدينة «ودراوة» واتفقوا على إجراء عقد تسوية احتوى على أربعة عشر بنداً ملزمة للمستثمر، ورغم احتوائه على العديد من الثغرات إلا أننا قبلنا بها كحل مرحلي ولم يلتزم المستثمر بأي بند من بنود العقد الذي يحمل توقيعه، وكحل آخر تم اتفاق بين كل من مستشار والي الجزيرة آنذاك ووزير الزراعة بالولاية ومدير المشروع ومستشاره القانوني على أن يؤجر المستثمر أراضي المزارعين ومساحتها 10 آلاف فدان بشروط محددة ومتفق عليها لمدة خمس سنوات. ضد القانون: الأستاذ حسن القاسم أحد ملاك الأراضي، أكد أن المساحة الكلية للمشروع (40) ألف فدان، لم يتم استثمار سوى 30% فقط منذ إنشاء المشروع، بالإضافة إلى أن الجزء المستثمر من المشروع تم تسويره بجسر ترابي محروس بأفراد من الشرطة وممنوع مجرد الاقتراب منه، بالإضافة إلى أن العمالة بالمشروع أجنبية من دول آسيوية وعربية، حيث فاق عددهم ال 100 عامل، والعمالة السودانية اقتصرت على رجال الشرطة وبعض عمال البوفيه والمطبخ والنظافة. لا وجود للخدمات بالمنطقة: ومن جانبه اكد محمد علي سليمان ل«الأهرام اليوم»، أن المشروع ظل عبئاً ثقيلاً على المنطقة، باعتبار أن من أهداف الاستثمار تقديم خدمات للمنطقة، صحية وتعليمية وخدمات مياه، ورغم الوعود التي تلقيناها من المستثمر إلا أنه لم ينجز سوى روضة استوعبت (20) طفلاً فقط، وهي بلا معلمين، ويمضي مواصلاً: كنت أحد الذين تعرضوا للضرب في الاشتباكات التي حدثت بين الأهالي والعمال التي استمرت لأربعة أيام متواصلة وأدت إلى دخول عدد كبير من الأهالي إلى المستشفيات إلى أن تدخل الوالي، وكالعادة لم يُنجز شيء مما اتفقنا عليه. وعن الضرر الذي أصاب المنطقة قال إنه في السابق كانت الأراضي عبارة عن سهول والأمطار تذهب في مجاريها الطبيعية إلا أن قيام هذه المشاريع غيّر مجرى الأمطار والمياه ولم يتم فتح طرق ومسارات بديلة، بالإضافة إلى توالد البعوض نتيجة لتراكم المياه. ضحايا ومتضررون: ويواصل مجدي الطيب «صاحب أرض» قائلاً: المستثمر الإماراتي غير موجود أصلاً ولم يسجل زيارة إلى المشروع خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى أن المتضررين من هذا المشروع (17) قرية، هذا علاوة على أنها أصبحت قرى نازحين وأجانب، لم يتم الالتزام بالعقد إلى الآن ولم تستفد من المشروع شيئاً، لهذا نحن كأصحاب أراضٍ ومواطنين نرفض وجود هذا المشروع بعد الآن باعتباره فاشلاً في الإيفاء بالتزاماته وما عليه، وإلا سوف يحدث ما لم يكن في الحسبان بسبب التغول على أراضي الملاك لعشر سنوات كاملة وتزيد. وزارة الزراعة بالجزيرة: وضعنا ما سبق ذكره من قبل الأهالي أمام طاولة عبدالله محمد عثمان؛ المدير العام لوزارة الزراعة بولاية الجزيرة، الذي أكد ل«الأهرام اليوم» أن المشروع في الأصل هو استثمار «أجنبي» والمساحة المصدقة هي بالفعل (40) ألف فدان، ونتيجة لما جاء في العقد الأول بين الحكومة والمستثمر لم يتم تعويض ملاك الأراضي فاستدركت الحكومة خطأها وأبرمت عقداً إضافياً، تم بموجبه استقطاع (10) آلاف فدان من المستثمر للملاك، وبهذا تقصلت مساحة المستثمر إلى (30) ألف فدان، ونص الاتفاق على أن يقوم المستثمر، بجانب ال 30 ألف فدان، بري العشرة آلاف فدان ولكن لم ينفذ هذا الاتفاق لعدة أسباب نفضل حجبها. ومضى مواصلاً: جلسنا إلى إدارة المشروع وقمنا بتحجير وخرط العشرة آلاف فدان وطالبنا للمرة الثانية بريها ولكنه جاء بطلب آخر تمثل في أن يؤجر العشرة ألاف فدان من الملاك وأن لهم ما يرضيهم، ونحن كوزارة رعينا الاتفاق وأمهلنا المستثمر وقتاً لتنفيذه ولكن لم يفعل إلى الآن واتصلنا به لأكثر من مرة لدفع المبلغ المطلوب ولكن لم نتلق الرد إلى الآن. خاطبت وزارة الزراعة ومحلية شرق الجزيرة مدير المشروع وطلبنا منه الاستعجال بالدفع وفي حالة عدم الرد سنلغي هذا العقد وترد الأراضي لأهلها. وعن الخدمات التي لم يقدمها المستثمر لأهالي المنطقة قال إن توصيل المياه وعمل الكباري لم يستطع المستثمر تنفيذها إلى الآن. وأضاف قائلاً: المساحة المستثمرة 30% فقط من المساحة الكلية للمشروع وهي (40) ألف فدان لأن المستثمر اتبع نظام الدورة، كل فترة يقوم باستثمار جزء من المساحة الكلية.