دائماً يعقب الثورات والانتفاضات والهبّات الشعبية الضخمة شيء من الفوضى والنهب والسلب والانفلات الأمني والاتهامات الظالمة. وقد شهدنا وإن بقدر محدود للغاية بعض ذلك هنا في السودان بعد الإطاحة بالنظام المايوي في 6 أبريل 1985م فقد اختفى ولا نقول نُهب كثير من محتويات بيت الرئيس نميري بالخرطوم، وفي تلك الفترة وبحكم المناخ الثوري الملبّد بكراهية الحكومة التي رحلت وما يتصوره البعض من مظالم، انتشر السكن العشوائي بصورة ملاحظة في كثير من المناطق وسط العاصمة، ومنها المساحة الممتدة بين كلية التربية ومدينة النيل بأم درمان؛ حي الروضة حالياً. وشمل السكن العشوائي الشريط الضيق المحازي لخور شمبات، وخور شمبات نفسه. لقد تصور البعض بعد أبريل 85 أن الإطاحة بالحكومة يجعل من حقهم الخروج على القانون وفعل كل ما يروق لهم. لكن الفوضى والنهب والسلب والانفلات الأمني والاتهامات الظالمة وسائر ما يحدث في أعقاب الثورات والانتفاضات والهبّات الشعبية الضخمة سرعان ما تختفي وتعود الأمور إلى نصابها، وفي مقدمة هذا النصاب وأهم ما فيه الأمن، أمن المواطن على نفسه وممتلكاته وانصياعه للقانون. وفي الثورات والانتفاضات والهبات يأتي في مقدمة المستهدفين الرئيس وأركان نظامه ورموز عهده وأهم المؤسسات التي كانت تدعمه. ففي أكتوبر 64 عند الإطاحة بنظام الفريق عبود كان في مقدمة المستهدفات القوات المسلحة، رغم دورها الكبير في تنفيذ رغبة الشعب التي هي رجوع الجيش إلى ثكناته واسترداد الحكم المدني. وفي أبريل 1985م كان في طليعة المؤسسات المستهدفة جهاز الأمن والسبب أنه كان ابتكاراً مايوياً. وكان استهداف الجيش في أكتوبر 64 ببعض الشعارات السخيفة وغيرها خطأً لم يستمر طويلاً، فقد عاد التقدير العالي القديم الذي يكنه الشعب إلى جيشه العظيم. وكان حل جهاز الأمن خطأً فادحاً اعترف به حتى أولئك الذين طالبوا به ونفّذوه. وكانت الشرطة في مقدمة المؤسسات التي استهدفها المصريون في ثورة 25 يناير التي أثارت إعجاب العالم من أقصاه إلى أقصاه، ثم اختفت الشرطة وخسرت مصر الكثير، وعودتها بالكامل إلى عملها هي المقدمة التي لا بد منها لتعود الأمور إلى نصابها ولتحقق الثورة أهدافها ولتنطلق مصر إلى أداء رسالتها نحو نفسها ونحو المنطقة من حولها.