{ نبدأ أولاً برمية كما اعتادت جماعة حقيبة الفن: (كفِّي كالبنزين قادحه كبريته أصلوهالكني عَلّيْ ما نجيت يا جَرِحْ غَوِّر إنشا الله ما بريتا) { قرأت للزميل د. يوسف صفي الدين في عمود «خواطر طبيب» بالعدد السابق قصة حضور "ناس النفايات والضرائب".. وعندما نويت أن أكتب هذا العمود إذا بالسكرتير بالعيادة يبلغني بأن موظف الضرائب يود مقابلتي، فضحكت وأخرجت العدد وأعطيته إياه لقراءته، وقلت له: لعلها لعنة الصحافة أو الضرائب أو الفراعنة..!! { لا يهم.. فلندخل في الموضوع ونرجع بالزمن (43) عاماً للوراء ونجتر ذكريات المدرسة الوسطى «الكدرو الريفية» مرتع الشباب والأيام الجميلة، وكان حينها يجلس للامتحان للالتحاق بهذه المدرسة طلابٌ من ثلاث عشرة مدرسة ابتدائية تقريباً، شمالاً من "قَرِّي" وجنوباً من الحلفايا، و(40) طالباً فقط هم المحظوظون لدخول هذه المدرسة، (مش زي هسّع) كل من هبّ ودبّ يدخل الثانوي..! { كنّا نسكن في داخلية، وفرصتك لزيارة أهلك يوم الخميس، وإياك أن تخرج قبل مرور شهر حتى لا تتعرض لأسئلة أهلك (إن شاء الله خير، مالك كتّرت الجية)، رغم صعوبة الحياة آنذاك، وكنا نقضي أوقاتنا بين المناشط الرياضية والثقافية، وكانت لنا جمعية أدبية يوم الاثنين من كل أسبوع، الساعة الثامنة مساء، يشرف عليها أساتذة اللغة العربية، ورغم إبداعنا فقد كان زميلنا سكرتير الجمعية (رباطابياً) مشاغباً، وهو الآن أستاذ في اللغة العربية وموجّه بمحلية بحري، ويدعى «ابراهيم أحمد الحسين دقش» ويسكن في محطة الكدرو.. كان هذا الزميل يحاول بكل السبل أن نكون ضمن "المهرجين" ويقدمنا للأستاذ آخر الحصة، للجلد. { وأذكر في إحدى الجمعيات أنني ألقيت قصيدة من (69) بيتاً يتحدث الشاعر فيها بلسان أحد المحكومين سياسيّاً بالإعدام شنقاً، ويصف حاله وهو ينتظر التنفيذ في اليوم التالي، وأذكر منها بعض الأبيات: أبتاه ماذا قد يخط بناني والحبل والجلاد ينتظراني هذا الخطاب إليك من زنزانة مقرورة صخرية الجدران لم تبق إلا ليلة أحيا بها وأظن أن ظلامها أكفاني ستمر يا أبتاه لست أشك في هذا وتحمل بعدها جثماني.. أبتاه إن طلع الصباح على الدُنا وأضاء نور الشمس كل مكان واستقبل العصفور بين غصونه يوماً جديداً مشرق الألوان وسمعت أنغام التفاؤل ثرة تجرى على فم بائع الالبان واتى يدق - كما تعوّد - بابنا سيدق باب السجن جلادان وأكون بعد هنيهة متأرجحاً فى الحبل مشدوداً إلى العيدان.. { فازت القصيدة إلقاءً ومضموناً وكنت "مبسوطاً" آنذاك.. فإذا باسمي يتصدر قائمة "المهرجلين" المحكوم عليهم بالجلد.. فنظرت إلى صديقي الرباطابي فلم أجده.. فقد هرب.. بعد أن أفقدني بهجة الانتظار، وهو يعرف جيداً إذا أمسكته، فالعين بالعين والسن بالسن والجلدة بخمس جلدات والبادي أظلم..!!