قبل أيام مرت ذكرى عيد العمال العالمي «الأول من مايو» ولعلها ذكرى بدأت تشيخ من تلقاء نفسها نسبة لأن الطبقة العاملة نفسها في العالم هي في انحسار من حيث انعدام الرغبة في الفكر النقابي والتنظيم النقابي نفسه، وكل هذا مرده لسيادة الفكر النيولبرالي والرأسمالية والخصخصة والعولمة، وبالتالي تظل الاحتفالية بهذا اليوم هي من قبيل الذكريات التي تخطاها الزمن السياسي والنقابي، فما عادت الخارطة قبل خمسين عاماً والتي كانت تسمى مسيرة كفاح نقابي وقومي هي ذات الخارطة اليوم، فلقد تغير الواقع النقابي نتاج تغير المناخات والهموم والقضايا والدخول في عالم العولمة والثورة الرقمية والخصخصة الكاسحة لدرجة مخيفة تقول إنه بعد خمسين عاماً من الآن لن يكون هناك وجود لحركة نقابية في العالم. لكن وبذات القدر نقول إننا في السودان كنا ولا زلنا أهل الريادة في العمل النقابي، حيث ظلت الحركة النقابية على مر العصور مشاركة بفاعلية في كل التنظيمات النقابية العالمية والعربية والإقليمية. وأذكر هنا أنني قد سألت يوماً من باب الطرفة النقابي الرصين المعتق الذي لا تختلف حوله أي مجموعة سياسية أو نقابية خلال الخمسين عاماً الماضية وحتى الآن هو النقابي تاج السر عابدون رئيس الاتحاد العام السابق لنقابات عمال السودان، سألته كيف تأقلمت كل هذا التأقلم بعد أن كان شعار النقابات في العام 1969م (سايرين.. سايرين في طريق لينين) إلى أن صار الآن (لكل حزبه والنقابة للجميع)، فقال لي النقابي الكبير تاج السر عابدون بالحرف الواحد: (عندما كنا نقول سايرين.. سايرين في طريق لينين.. لم نكن نسلك طريق الكفر والإلحاد). التحية في هذا العيد لهذا النقابي الجليل الذي استطاع أن يقود مسيرة الحركة النقابية بصدق ووطنية رغم اختلاف الحقب السياسية فجعلها تتمسك بشدة وقوة ووعي في المحافظة على استقلاليتها وتبعه بروفيسور غندور الذي كان خير خلف لخير سلف. وحسناً أن جاء بيان الاتحاد العام لنقابات عمال السودان مؤكداً على جملة من المضامين في ذكرى الأول من مايو (يوم العمال العالمي)، فهو توجه بالتهنئة الحارة والأمنيات الصادقة لعمال السودان وكل عمال العالم بذكرى عيد العمال العالمي، آملاً أن يشهد العام المقبل مزيداً من الاستقرار والنهضة والتنمية والرفاهية. وما يطمئن على سلامة المسار النقابي هنا هو تأكيد الاتحاد في بيانه مجدداً على الولاء الوطني الثابت والراسخ للحركة النقابية التي تعي دورها في توطين الاستقرار ومواجهة كافة التحديات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق المزيد من المكاسب للحركة العمالية، إلى جانب التمسك بالمطالب العمالية وبذل كافة المساعي لإثبات الحقوق في موازنة بين الواجبات التي تتطلب الانضباط وزيادة الإنتاج. وما يطمئن أيضاً على المسار النقابي السوداني هو التأكيد على المناسبة والاحتفال بها (عيد العمال)، بحيث إنه تجسيد لوحدة الحركة النقابية ودورها الفاعل في المجتمع.