{ ونلمح في الطرقات بوادر مقدرة لتهيئة مصارف مياه الأمطار في بعض محليات العاصمة، ونأمل على ضوئها أن تكون الحكومة ممثلة في الجهات المعنية قد هيأت أراضيها لاستقبال الخريف بخيره وشره، وألا تتفاجأ به مثلما يحدث كل عام، وبدورنا كمواطنين لن ندخر جهداً في الاستعداد المبكر للخريف كالعادة على أمل أن نجد التعاون اللازم من المسؤولين حتى نستمتع جميعاً بخريف مبارك. { وقد درجت العادة على حدوث قطوعات كهربية وأزمة مياه كلما حلّ الصيف وفي أذياله خريف الخير، والحجة التقليدية الموروثة هو ذلك الطمي اللعين الذي يعيق عمل التوربينات ويغلق المنافذ، وهي حجة واهية أصبحت مثار تندرنا وسخريتنا، وأتمنى أن يجد المعنيون حجة غيرها هذا العام لأن الواضح جداً أن تصريحات السيد وزير الكهرباء بعدم وجود برمجة للقطوعات واستقرار الإمداد الكهربائي قد ذهبت أدراج الريح. إننا حتماً لا ننفي أن الأمور لم تعد كما كانت عليه من قبل وأن خدمات الكهرباء والمياه قد تحسنت كثيراً، ولكن هذا لا يمنع من أن نأمل في أوضاع أفضل طالما توفرت الأسباب، فالشاهد أن سد مروي وحده كصرح عالمي كفيل بسد حاجتنا من الكهرباء ومساواتنا بالدول المتقدمة التي لم تعد كلمة قطوعات كهربائية مدرجة في قاموسها اليومي. { أما قضية المياه، فهي محيّرة وتبعث على الاستياء والحنق، كيف لنا والنيل يجري بين ظهرانينا ومعه روافده وفروعه، ولا أعتقد أن للأمر علاقة بنصيب السودان من المياه وهذه الأحاجي التي لا يفقه المواطن العادي منها شيئاً، ولشد ما أدهشني أن بعض أحياء العاصمة «الحضارية» ولا أعلم من أين استمدت هذه الصفة وما هو شكل تحضرها المعني تحديداً يعاني من مشكلة في مياه الشرب لأكثر من أسبوع، حتى اضطر سكانه للخروج إلى الشارع يوم الجمعة الماضي في ما أسموه «جمعة العطش»!! وكلنا يعلم تمام العلم حكاية «الجمعات» العربية وما قادت إليه. { وإنه لمن المحزن أن يكون خروجنا واحتجاجنا على مسألة المياه وهي عصب الحياة، لا سعياً وراء حريات ولا احتجاجاً على سياسات ولا اعتراضاً على قوانين طوارئ، وما دام نحن والحمد لله شعب حكيم وقنوع! فمن الأولى أن نكافأ على ذلك بتوفير متطلباتنا الأساسية وأولها إمداد كهربائي متواصل ومياه صالحة للشرب ومتاحة، لا سيما وأن الصيف القائظ قد بدأ يقتات من أجسادنا وبدأنا نتلظى خارج البيوت وداخلها فاتقوا فينا الله وارحمونا من الحر والعطش، نحن لا نطالب (بمكيف فريون) لكل أسرة، فقط نطالب بأن تبقى الكهرباء التي نشتريها بحر مالنا ونحرص على توفير قدر كافٍ منها يتناسب مع معدلات صرفنا اليومي لها موجودة داخل عدادات الدفع المقدم ونظل نحن المتحكم الوحيد والمسؤولين عن المدى الزمني لاستدامتها. وكنا قد تفاءلنا خيراً بخدمة العدادات هذه لأنها فكرة متطورة وراقية فدعونا نهنأ بها كما يحلو لنا. { وبالعودة لموضوع الخريف، فإنني أتمنى أن يتمكن أبنائي هذا العام من الاستمتاع بعام دراسي مستقر، وألا تحول مياه الأمطار الراكدة بينهم وبين مدارسهم، وهذا لا يتوفر إلا بالتصريف المثالي، فلا تكرروا لنا المشاهد الرتيبة العقيمة لأولئك العمال الذين يأتون كل عام حاملين محافيرهم ليحفروا (خور صغير) داخل الحي دون دراسة هندسية أو منطق و(يكوموا) ترابه حوله فلا تستطيع مياه الأمطار الانزلاق إلى داخله ولا هو في الأساس يصلح لتصريفها لأنه لا يمضي إلى جهة معينة، فقط يظل قابعاً لا تراوح مياهه مكانها حتى تتعفن وتمتلئ بالقاذورات وتصبح مرتعاً خصيباً للباعوض والحشرات وتبدأ دوامة جديدة من معاناتنا مع الملاريا والأمراض المصاحبة التي (تهرسنا) حمتها وتجعلنا نوقن بما لا يدع مجالاً للشك أن الخريف قد حلّ. { تلويح: إنها (حجوة أم ضبيبينة).. (وبرضو) أهلاً به وسهلاً.