بقدر سعادتي بالتواصل مع أحبابي في كل بقاع الأرض عبر جسور الكتابة الحميمة بقدر حزني لما يتعرض له الأطفال في كل بقاع الأرض من ظلم وتعدٍ وانتهاك لتلك البراءة العذبة من وحوش لم تدخل الرحمة لقلوبها ولا أدري أي نوع من المخلوقات هؤلاء، فهم حتماً لا ينتمون للبشر الذين مهما تحولوا لذئاب متوحشة إلا أن هناك شيئاً اسمه الضمير لا يموت إلا بموت الإنسان وحين يغفو هذا الضمير يتحول البشر إلى وحوش لا ترحم ولا تحس بالآخرين. اليوم أرسل لي الأخ الكريم عادل السلاوي رسالة بها نوع آخر من تجارة الأطفال وفي أطهر بقاع الأرض، حيث لا يخطر للمرء أن مثل هذه الأشياء الفظيعة يمكنها أن تحدث في تلك البقاع المكرمة، ناهيك عن أدغال الأرض وسهولها النائية عن معالم الحضارة والإنسانية، وما خفي كان أعظم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يقول الأخ عادل في قصته الواقعية والتي أسماها من الواقع: تحيه طيبه أستاذنا د. معز عمر بخيت أولاً أسمح لي أن أسوق أعجابي بكتاباتك التى تمس الواقع الاجتماعي الإنساني.. تلك القضايا التي كادت تضيع وسط زخم الأحداث السياسية والإعلامية الأخرى..! وأنا أطالع موضوعك (أكاد لا أصدق هذه المأساة) في صحيفة الأهرام بتأريخ 3 مايو 2011 تذكرت قصة هي أقرب للخيال منها إلى الواقع.. حدثت بالمدينةالمنورة!! ذهبت قبل بضع سنين في عمرة للأراضي المقدسة. وبعد انقضاء العمرة بمكة ذهبت لزيارة المدينةالمنورة وكالعادة نزلت مع أختي وزوجها المقيمين بالمدينة.. وفي اليوم الثاني ومن غير العادة كان هناك هرج ومرج وشرطة في الشارع.. تماماً أمام منزل المرأة السورية المحترمة الخمسينية العمر والتي تسكن قربنا.. ولنرجع بالأحداث بضعة سنين! كانت هذه المرأة في عُمرة مع زوجها قبل اثني عشر عاماً ومعهما ابنتهما ذات السبع سنين وابنها ذو الثلاثة أعوام.!! وفي أثناء الزيارة ووسط الزحمة فقدت الأم ابنها.. وجن جنونها وهي تبحث عنه لعدة أيام مع زوجها دون جدوى.. ورغم المصاب الجلل قرر زوجها الرجوع والعودة مرة أخرى للبحث. ولكن المرأة وبقلب الأم رفضت الذهاب وقررت البقاء قرب المسجد النبوي والدعاء والبحث حتى يقطع الله أمراً في ذلك دونه الموت! ولإصرارها تركها زوجها الميسور بعد أن وفر لها سكناً قرب المسجد مع أخيها.. يسافر ثم يعود إليهم ووو.. توالت الأيام والسنون. حتى صادف ذلك اليوم الذي رأيت فيه الهرج والمرج والشرطة بالشارع في اليوم الثاني لزيارتي للمدينة! والحاصل أن هذه المرأة المكلومة وأثناء بحثها والذي لم ينقطع طوال اثنى عشر عاماً.. لاحظت صبياَ مقطوع اليد بائساً.. يتسول الناس والذين يعطونه بسخاء في هذه البقعة الطيبة! اقتربت منه وازدادت دقات قلبها بعد أن لاحظت الشبه الشديد بأبنائها.. وبقلب الأم حاولت التحدث معه فلم تفهم لغته الكردية أو التركية!! فذهبت لأقرب مخفر للشرطة و..إلخ. وقد كان الصبي هو ابنها وأثبتت الفحوصات الطبية أنه ابنها المفقود منذ اثني عشر عاماً!! لقد كانت الأم والصبي ضحية لمافيا سرقة الأطفال بغرض التسول.. يسرقون الأطفال ويعملون عاهات لهم.. ثم يحضرونهم في مواسم الحج والعمرة بغرض التسول الفخم في هذه الأيام المباركات والتي يجود فيها الناس.. وقد صادف وجودي كل ذلك. ومن المؤسف ألا يتم القبض على العصابة.. ويبدو أن مراقبين لها لاحظوا تحركات المرأة ورجال الشرطة فتركوا الصبي واختفوا من المكان ومن المدينة كلها.. عاد الصبي لأمه الصابرة ولكنه مفقود اليد.. مفقود اللسان.. مفقود الهوية.. مدخل للخروج: وحملت للوطن المعلق بين أحراش الحشائش واحتمال الغيث أزهار الربيع.. ونظرت للأطفال في ميلاد عمق دواخلي أكدتُ للأصرار أنا من دعاة السلم أنا من حقول الظلم ننزع حشرجات البؤس نلتحف الصقيع.. فتنوء زفرات الحنايا يستحم الموج في ركن الجزيرة ترحل النجمات من فلك العوالم للجميع.. فتعال واحتمل انهياري وانزع الوجه الحضاري في عميق البؤس يرقد وعدنا طفل رضيع.. والحزن في عينيه يخترق الفواصل يشرب من بحيرات الهواء منابع الضوء الرفيع.. والغفو والخيلاء والرمق الأخير يعانق السد المنيع..