في متابعة دقيقة للحوار الذي أجراه الزميل العزيز عبدالرحمن العاجب مع العقيد (م) محمد الأمين خليفة عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ على شرف الذكرى 22 للثورة، لقد استوقفتني بعض الجُمل والعبارات التي ذكرها وهو لأول مرة يفيض بهذه المعلومات وأجد نفسي أيضاً مختلفاً معه في بعض التقديرات السياسية التي ذكرها في حقبة مايو «جعفر نميري» والديمقراطية الثالثة. أتفق معه أن بدايات ثورة مايو 1969م كانت سيئة ولكن سرعان ما تحوّلت مايو إلى نظام قومي بعد التخلُُُّص من الخط اليساري القابض وانتهجت بعد ذلك الوسطية وحققت المصالحة الوطنية إن كانت كذباً أو صدقاً، وشارك فيها من بعد ذلك الكل وكان للإسلاميين نصيب أكبر من المشاركة في نهاياتها، بما يعني أن مايو كانت تنوي التحوُّل الديمقراطي لو لم يكن ينفض الكل عن جعفر نميري، وكل القوى المعارضة لمايو كانت تفهم تماماً أن من الصعب الانقلاب على مايو، وبعبرة فشل المحاولات الكثيرة لضرب مايو تأكد أنه لا يمكن اقتلاعها إلا بالسيناريو الذي تم في عام 1985م، هذا عن مايو. أما عن الديمقراطية الثالثة وعن عبارات العقيد محمد الأمين خليفة حول «الثمرة التي نضجت وقد يأخذها من لا يستحقها» فأقول له إن الجبهة الإسلامية القومية كانت ستكتسح الانتخابات وكانت ستأتي عبر صناديق الاقتراع لأنها كسبت الشارع وقتذاك وظلمها الحزبان الكبيران الأمة والاتحادي، في سعيهم الدؤوب نحو الاستئثار بالسلطة، فكم كانت صورة الديمقراطية الثالثة ستختلف لو أن السيدين الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني قد أشركا الجبهة الإسلامية القومية منذ أول يوم، وهنا ألوم الحزب الاتحادي الديمقراطي كثيراً في عناده ومحاولاته السياسية لإبعاد الإسلاميين عن الحكم في الديمقراطية الثالثة على الرغم من أن الصادق المهدي ولا أقول حزب الأمة، كان يتمنى إشراكهم في الحكم. يقول العقيد محمد الأمين خليفة، في مذكرة القوات المسلحة التي قُدِّمت في عام 1989م، أي قبل قيام ثورة الإنقاذ بأربعة أشهر، إنه لم تكن هناك جهات ولا أيديولوجيات وراءالمذكرة، لكنني أذكر هنا أنه في يوم تقديمها هاجمها بعض قياديي الجبهة الإسلامية دون النظر لمعرفة من وراءها وهذا شكّل موقف الجبهة الإسلامية تجاهها، لكنها أفضت «المذكرة» من بعد ذلك لما سُمي بحكومة القصر الجمهوري التي شاركت فيها الأحزاب ووافقت الجبهة الإسلامية على المشاركة في تلك الحكومة خاصة في مفاوضاتها الأولى ولكن سرعان ما تراجعت وعدلت موقفها من المشاركة. في بعض الأسئلة يجيب العقيد خليفة فيقول «الأخ عبدالرحمن سر الختم بعد حوار علم بنوايا الثورة وإلى يومنا هذا هو في السلطة». وخرجنا منها نحن لكنه هو باقٍ. الشاهد هنا أنه يتحدث عن الصبر والمصابرة بقوله «لو صبروا كما صبروا على الآخرين لعلهم قد تبعوا خط الثورة». وهنا مربط الفرس فلماذا إذن لم يصبر محمد الأمين خليفة على إخوانه ويواصل معهم المسيرة التي غايتها بالطبع بناء السودان، لماذا اختار الشعبي خياراً بعد انفصال الإسلاميين، فالإنقاذ في مجملها نالت الرضاء الشعبي وبعد المفاصلة اكتسبت زخماً سياسياً ودعماً داخلياً وخارجياً بما يشير إلى أنها اتجهت نحو الطريق الصحيح، والآن النبرة الحزبية بدأت تنحسر وتتضاءل في كل الأحزاب أمام النظرة القومية والكل الآن بات يتراجع رويداً رويداً عن ثوب الحزبية فهل سيخلع محمد الأمين خليفة ثوب الحزبية قريباً، لا سيما وأننا لازلنا نتذكر أقواله المأثورة الأولى «جئنا لدين ودنيا ودنيا وآخرة».