{ يحل علينا يوم بعد غدٍ (السبت)، التاريخ الحزين الذي طال انتظار الملايين له، داخل وخارج السودان، التاسع من يوليو، تاريخ إعلان (انفصال) جنوبنا عن شمالنا، أو بلغتهم تاريخ استقلال (جنوبهم) عن شمالنا..!! { مشاعر جيّاشة تعتمل في دواخلنا جميعاً، فبعضنا من الذين كانوا من (بني جلدتنا) سيقرعون الطبول فرحاً عاطفياً عارماً يضج عالياً مخترقاً غابات الاستوائية.. (ها قد تحررنا.. ها قد أصبحنا مواطنين من الدرجة الأولى)!!.. أو كما قال لهم «سلفا»، و«باقان» و«مشار».. و«عرمان» أيضاً..!! { وبعضهم، وهم (أغلبية) في جنوبنا، يحاصرهم الواقع الأليم، تطبق عليهم ظلاماته.. حائرون.. تائهون.. وخائفون.. يُحدِّقون في المجهول..!! ماذا فعل بنا «سلفاكير ميارديت» و«باقان أموم أكيج»؟! إلى أين يسوقون ملايين الجوعى، والمرضى، والعرايا، وقد تسرّبت من خزائن دولتهم (المنتظرة) ما يربو على (11) مليار دولار خلال السنوات الست الماضية؟! (الرقم أكده تقرير صادر عن مجلس العموم البريطاني الأسبوع المنصرم)..!! { أما نحن، الذين جهرنا وجاهرنا برغبتنا ورغبة شعبنا - التي كانت أكيدة - في الحفاظ على وحدة السودان، أرضه، وشعبه، نيله، وسماءه، فإننا سنقول، ونذرف الدموع: (والله.. إنّا لفراقك - يا جنوب - لمحزونون).. ليس طمعاً في برميل نفط كاسد، بل ناضب ولو بعد حين، ولا ولهاً بالخرائط القديمة، والصفات التليدة: (مليون ميل مربع، من نمولي إلى حلفا...)، ولكن لأنّا فرطنا في بلادنا.. في ترابنا.. وينبغي أن نحزن.. أن نبكي.. لا تقولوا لي: (لقد اختاروا الانفصال.. وهم أحرار)!! لأنكم تعلمون أنهم لم يكونوا أحراراً.. ولن يكونوا.. حتى بعد هذا (الاستقلال) الصوري.. المهيض!! { من لم يداخله (حزن) منذ الآن، على فراق الجنوب، فإنه لا تجري في دمائه (ذرّة) من وطنية، ولا (خليّة) سودانية..! { سنحزن.. وحزانى نحن منذ إعلان نتيجة (الانفصال) - قبل ستة أشهر - بنسبة (98.5%) بأمر جنرالات الجيش الشعبي (لتحرير السودان)!! { نحتاج أن نحزن.. لنفرح، نحتاج أن نبكي.. لنضحك.. نحتاج أن نعترف بأخطائنا.. وأخطائهم.. لنعرف طريقنا (الصحيح) في جمهورية السودان (الثانية). { أرجوكم.. ارفعوا (علم السودان) الذي وزّعته.. وتوزعه مجموعة شباب (وفاء للوطن.. تحية للعلم).. ضعوه في أعالي البيوت.. على سطوح العمارات.. على طول الطرقات.. على أبواب المدارس.. والجامعات.. في الحدائق والمنتزهات.. وقبل ذلك ضعوه في قلوبكم.. في سويدائها.. فإنه ليس قطعة ورق، ولا متر قماش.. إنه (السودان الجديد) الذي نريده.. سوداناً لا يعرف القبائل.. والعناصر.. والجهات.. سودان يعلو فيه (العَلَم).. وتسقط دونه الولاءات.. وتموت فيه الانتماءات.. ترحل منه الضغائن.. والغبائن.. والدماء.. { نحزن لنفرح.. ونبكي لنضحك.. ونصرخ فيهم، وفي سادتهم: هل أوفينا الآن؟ هل سقطت - وإلى الأبد - أكذوبتكم عنّا حول (نقض العهود والمواثيق)؟ هل استرحتَ - الآن - يا فرانسيس دينق؟! وهل سيستريح الملايين من أبناء الدينكا.. والنوير.. والشلك.. والاستوائيين بعد يوم (السبت) الأسود؟! { أمّا الذين يروّجون لشائعات الخوف (شائعات الأزمة) التي تحاصر «الخرطوم».. ومدن وفرقان (الشمال) عن ملامح ومآلات اليوم المجهول.. التاسع من يوليو.. فإننا نقول لهم: كفانا جهالة.. كفانا سذاجة.. { سيكون يوماً (عاديّاً) جداً.. بعد غدٍ (السبت).. هادئاً.. وحزيناً.. لا تغنوا فيه - عزيزي أبو هريرة - فسترصد غناءكم (التمثيلي) كاميرات المغرضين، لتقول تقاريرهم المفخخة: (احتفل آلاف الشماليين في شارع النيل بالخرطوم بانفصال جنوب السودان)!! { وزِّعوا (علم السودان) ولكن لا ترقصوا على (جثمان) (رُبع) البلد.. (ربعها) وليس (ثلثها) كما ترددون يا كبار الكتاب والفلاسفة!! { في تقديري، وقراءاتي، أنه لن يكون هناك أي محاولات (تخريبية) ولا يحزنون.. هذه أضغاث أكاذيب.. لا أحلام.. { فالحركة الشعبية حريصة جداً على إكمال (مراسم الفرح) في هدوء تام.. على كل الجبهات.. جنوباً وشمالاً.. ولعدة أسابيع.. ثم من بعد انفضاض المدعوين ربما تفكر في الخطوة القادمة.. { يوم السبت.. التاسع من يوليو.. يوم هادئ (معتدل جداً) في خريطة الطقس الأمني، فلا تعوقوا حركة الناس (بالهواجس) والترتيبات الأمنية، لكنه يوم (حزائني) في خريطة الطقس السياسي بجبهة (الشمال)، كلنا مسؤولون عن هذا الحزن، كل الأحزاب (الحاكمة) و(المعارضة).. كل الساسة.. كل الصحفيين كل الرأسماليين.. كل الفنانين.. كل القادة.. والأركان!! { دعونا نحزن.. ولو لحظة نزول العلم في «جوبا» - رغم أنهم أنزلوه منذ (6) سنوات، ووضعوه جانباً إلى اليسار - لنفرح برفع العلم.. بكل عنفوانه (الجديد) في «الخرطوم».. و«كادوقلي» و«الدمازين».. و«فاشر السلطان.. و«بورتسودان».