إنجيلنا مبيور فتاة (خلاسية) بالغة الطول وقسمات جمالها بادية للعيان، تبلغ من العُمر (19) عاماً، التقيتها في مطار جوبا.. نظرت إليها ملياً وهي تقف جوار منضدة في صالة الوصول، ألقيت عليها التحية وردت بأحسن منها.. قلت لها مداعباً: ما شعورك وأنت تنتظرين ميلاد دولتك الجديدة؟.. حدّقت فيّ ملياً وانهمرت دمعة من عينيها وقالت لي بصوت خافت وبلغة عربية فصحى: (نعم سيتم إعلان دولتنا الجديدة، لكني أصدقك القول الحُزن يُخيم على نفسي.. وما كنت أظن أن الجنوب سينفصل عن الشمال).. رغم زخات المطر التي انهمرت على مدينة جوبا طيلة الأيام الماضية واخضرار الأشجار الذي يدخل الفرحة والانشراح إلى النفوس لم يكن هيناً على جون لوكودو الرجل الكهل ذي الثمانية عقود تلقى إجابة صاعقة من أحد الصحافيين عن أحوال العاصمة الخرطوم ونحن نهم بمغادرة وزارة الإعلام في جوبا الخميس الماضي بعد أن أكملنا إجراءات استخراج بطاقات تغطية احتفالات إعلان دولة جنوب السودان اليوم السبت الموافق التاسع من يوليو 2011م.. رأيت الحزن يكتسي وجه الرجل عندما سمع عبارة الصحافي (الخرطوم ما كويسة) ورد الرجل الأبنوسي بسرعة بالغة (يا خوي كلامك ده ما كويس.. بلد ده حقنا كلنا خرطوم وجوبا).. قلت في نفسي لعنة الله على السياسة والسياسيين شمالاً وجنوباً لسعيهم الدوؤب على تمزيق البلاد رغم فرص السلام الواسعة التي بإمكانها توحيد العالم أجمع وليس شمال السودان وجنوبه.. حاولت مراراً وتكراراً أن (أتسكع) في شوارع جوبا لجس نبض الشارع الحقيقي عن أحوال الدولة الوليدة واستعداداتها ليوم (الطلاق) عن الشمال.. أبلغني سائق دراجة بخارية تُستخدم في المواصلات تُعرف باللغة المحلية ب(بودا - بودا) أن الانفصال بالنسبة إليهم قدر سماوي وأنهم في انتظار ذلك القدر خيراً أو شراً، مبيور جون الشاب العشريني أكد ل(الأهرام اليوم) أن الانفصال عن الشمال سياسي وجغرافي وليس وجدانياً، وأن ذكرياته الجميلة كلها كانت في شمال السودان.