الآن نحن بين يدي التاسع من يوليو 2011م وقد ظللنا نضربه موعداً غامضاً لتطورات لا أحد يعرف تداعياتها ومآلاتها، وها نحن اليوم نعيشها حقيقة تكذّب كل ما كنا نخشاه وما كان يتوقعه غيرنا، وهم يعتقدون أننا لن نترك الجنوب ينفصل ولن نكمل أشواط الاتفاقية حتى نبلغ نهاياتها، ونفي بتنفيذاتها. ويتأسس هذا الاعتقاد لديهم لسببين؛ الأول أنهم لا يسمحون بانفصال أي شبر من أراضيهم مهما كانت الأسباب وهذا ما نشهده في أمريكا نفسها التي خاضت حرباً مع إحدى ولاياتها المتاخمة للمكسيك لمجرد أنها طالبت بالانفصال، ودونكم أسبانيا مع إقليم الباسك، وبريطانيا مع جزر الفوكلاند، والهند مع كشمير، وروسيا ما زالت تحتفظ بجمهوريات هي أشد تبايناً من الذي بيننا وجنوب السودان، والأمثلة كثيرة وكلها قد تجعلهم يعتقدون أننا قد نفعل ما يفعلون، أما السبب الثاني فإنهم يرسمون صورة سلبية لبلادنا بسبب الدعاية السوداء التي تعرض لها السودان باعتباره يمارس الإبادة والاضطهاد وكافة الممارسات اللا إنسانية التي روجت لها دوائر صهيونية استطاعت أن تفرض واقعاً آخر غير الواقع الحقيقي لشعب السودان الطيب المتسامح، ولذلك يتوقعون أن ينفض السودان يده من هذه الاتفاقية في أية لحظة وهذا ما يجعلهم يلوحون بالمحفزات من إعفاء الديون ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ودعم الشمال أسوة بالجنوب دون تمييز وتطبيع العلاقات، وغداً سينخفض صوت هذه المحفزات بمجرد أن يعترف السودان بالدولة الوليدة. سيمر هذا اليوم مثل سابقاته من المواعيد دون أن تنفجر الأوضاع والشعب الشمالي زهد في الجنوب بفضل تلك الممارسة السياسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية الحقودة للحركة الشعبية وجيشها وقيادات نافذة وبسبب أحداث كثيرة مرت عمقت الشقة في نفوس أهل الشمال الذين ظلوا وعلى الدوام يعاملون إخوتهم الجنوبيين بشكل طيب، وهذا ما لا يجده الشمالي في الجنوب، وبالرغم من السلام فإن قتل الشماليين وسلب ممتلكاتهم لم يتوقف، ولذلك فإن ذهاب الجنوب يجد قبولاً عاماً وسط قطاعات واسعة من الشعب السوداني لو استفتيت هي لرجحت كفة ذهاب الجنوب بعيداً عنها. من المهم أن نشيح تماماً عن الجنوب القديم الذي صار دولة أجنبية، وأن نلتفت إلى الجنوب الجديد في النيل الأزرق وسنار والنيل الأبيض وجنوب كردفان وجنوب دارفور وهذه خمس ولايات ثلاث منها تتمتع بخلوها من الأشرار أمثال الحلو وعقار وعرمان زمرة الشيوعيين الذين صاروا هم أعداء الأمة السودانية وقد صار هذا الحزب يفرخ الأشرار والعملاء والذين يعرضون البلاد لمخاطر كبيرة نسأل الله أن يجنبها بلادنا. الالتفات إلى هذه الولاياتالجنوبيةالجديدة يجب أن يبنى على دروس الماضي بدءاً بالمعالجة الثقافية والاجتماعية التي تجاهلناها في علاج أدواء الجنوب القديم ولكل من يفهم في الإستراتيجيات فإن المعركة ابتداءً داخل عقول الناس وقلوبهم وكذلك لا بد من دخول مفاهيم جديدة تجاه هذا الجنوب الجديد في السياسة والاقتصاد والتنمية لا سيما أن مهددات البلاد بعد هذا اليوم جغرافيتها هذا الشريط الحدودي الطويل ومن خلفه قيادات تستجدي أمريكا لتضع قاعدة عسكرية في بلادها وهي ذات الدولة التي باعت (9%) من أراضيها بثمن بخس كانت العمولات في عمليات البيع هذه أكبر بكثير من تلك الأموال التي لم يتجاوز سعر الهكتار فيها سنتات. بالقدر الذي نتعرف فيه على حجم المهدد وأنواعه يكون إعدادنا لشعبنا في الجنوب الجديد لأنه هو أول من يتصدى لمحاولات المعتدي وكذلك لا بد من إعداد الحكام بتلك الأنحاء إعداداً جيداً لأن تفاصيل الصراع والتحدي تتناثر على ساعات اليوم والليلة قبل أن تستفحل معركة ضروس ولذلك هي تحتاج لمن يحسن التعامل مع الظواهر والتطورات الصغيرة. في جانب التنمية الدولة تمضي بشكل جيد في الجنوب الجديد ولكن التنمية وحدها لن تحصن البلاد من شرور الأشرار وأمامكم تمرد جنوب كردفان الماثل الذي لم تمنعه ألفان من الكيلومترات المسفلتة وعشرات المشروعات التنموية الكبيرة ولم تمنعه الإصلاحات السياسية وصناديق الاقتراع ولذلك ما من سبيل إلا أن نخوض معركة العقول والتعبئة الإيجابية التي تستطيع وحدها أن تقتلع تعبئة عنصرية سلبية تعرضت لها قطاعات واسعة من شعبي جنوب كردفان والنيل الأزرق وبالذات تلك المجموعات التي تكوّن ما يسمى بالجيش الشعبي. المثقفون والفنانون والمبدعون السودانيون وقد التقيت كثيراً منهم يطرحون أعمالاً جليلة تبدأ من شكل خريطة السودان الجديدة وبين أيديهم معالجة بصرية ونفسية وجمالية تجعل الكثيرين يتجاوزون هذه الصدمة النفسية وتتنوع الأعمال لتشمل كافة أنواع المعالجة الثقافية والفنية والاجتماعية التي تستطيع أن تنتقل ببلادنا إلى وحدة الهوية والوجدان والمصير ويومها الذهن الجمعي لأهل السودان متاح وميسور.