كلام مؤسف ذلك الذي نشرته جريدة (القدس العربي) في عددها الصادر أمس الثلاثاء الموافق 19 يوليو الجاري عن العلاقة بين إسرائيل وجنوب السودان فقد استعرضت دراسة مطولة، أعدها الباحث الدكتور محمود محارب المحاضر بجامعة القدس العربية، هذه العلاقة، ولم تقتصر الدراسة على العلاقة بين إسرائيل وجنوب السودان، ولو أنها اكتفت بذلك لما اهتممنا بها، فقد أصبح الجنوب دولة مستقلة، لكنها شملت العلاقة بين إسرائيل والشمال. وكان أهم طرفين شماليين اتصلا بإسرائيل هما حزب الأمة والنظام المايو، وقد جرى تعتيم على علاقة حزب الأمة وإسرائيل التي ترجع إلى الخمسينات وانحصر التركيز على العلاقة أو الاتصال الذي تم بين إسرائيل والنظام المايوي، وأشهر ما ترتب على ذلك الاتصال هو عملية نقل الفلاشا. وكنا كتبنا قبل ثلاثة أعوام تقريباً أن السيد المرحوم الصديق المهدي رئيس حزب الأمة التقى منتصف الخمسينات في لندن بأحد كبار مسؤولي السفارة الإسرائيلية وأن رئيس الوزراء الأمين العام لحزب الأمة؛ السيد عبدالله خليل، اجتمع عام 1957 في باريس مع جولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية. وفي الدراسة المشار إليها نقرأ أنه (جرت بين حزب الأمة وإسرائيل في الفترة الممتدة بين سنة 54 وسنة 1958م اتصالات واجتماعات كثيرة ومفاوضات متشعبة في شأن مسألتين أساسيتين لمواجهة ما اعتبراه عدوهما المشترك المتمثل في مصر .. تتعلق المسألة الأولى بتقديم إسرائيل مساعدات مالية لحزب الأمة على شكل قروض لتمكينه من مواجهة النفوذ المصري في السودان، وكذلك مواجهة الأحزاب السودانية التي لم تكن تعتبر مصر عدواً والتي كانت تدعو إلى وحدة وادي النيل والحفاظ على علاقات متطورة بين السودان ومصر. أما المسألة الثانية فتمحورت حول استثمار إسرائيل أموالاً في مشاريع اقتصادية في السودان، وخاصة في أراضي المهدي زعيم حزب الأمة في المشاريع التي تدر أرباحاً مالية على حزب الأمة، علاوة على ذلك قال الدكتور محارب: «سعى حزب الأمة لتطوير علاقاته بإسرائيل ضد مصر بأن يزور مسؤول سوداني رفيع المستوى إسرائيل سراً ولا تزال الملفات التي عالجت المحادثات التي أجراها المسؤول السوداني رفيع المستوى أثناء زيارته لإسرائيل في الثلث الأخير من شهر أغسطس في طي الكتمان». ونعيد ما كتبناه من قبل أن حزب الأمة كان في غنى عن ذلك كله، وإذا كان المبرر هو محاربة النفوذ المصري فقد كان من الممكن محاربته بالالتجاء إلى دولة منافسة لمصر داخل العالم العربي وليس بالالتجاء إلى إسرائيل. وعن العلاقة بين النظام المايوي وإسرائيل جاء في الدراسة المطولة أنه «في أواخر السبعينات والنصف الأول من الثمانينات أقامت إسرائيل علاقة قوية بالرئيس السوداني جعفر نميري ونظامه إلى درجة سماح نميري لإسرائيل بتهجير آلاف اليهود الفلاشا من الأراضي السودانية». وأيضاً نقول إن النظام المايوي كان في غنى عن ذلك وقد أساء إليه هذا الاتصال مع إسرائيل أكثر مما خدمه وكان سبباً من الأسباب التي أججت الكراهية ضده والثورة عليه إلى أن أطيح به صباح 6 أبريل 1985م.