هطول أمطار غزيرة بولاية الخرطوم أمس الأول كان بمثابة قرع جرس الإنذار واختبار لنظافة وملائمة المصارف والخيران المنوط بها التصريف، لكن يبدو أن الواقع غير ذلك وبدا ذلك واضحاً بخور الفتيحاب بأم درمان وخيران أخرى يفترض أن تدفع مياهها من الأحياء إلى النيل مباشرة بيد أنها صارت مكباً للقمامة ومأوى للمشردين... (الأهرام اليوم) وقفت على الأمر ميدانياً.. الجهات المسؤولة رمت باللائمة على المواطنين وقالت إن سوء استخدامهم هو السبب، والمواطن رمى باللائمة على السلطات وطالبها بتوفير بيئة سليمة ونظيفة خلال فصل الخريف الذي بدأت تباشيره. جهود المحليات الحثيثة من الواضح أنها اتسمت بالعشوائية، فمياه الأمطار هي سيدة المشهد في وسط وعبر الأحياء والأسواق الشعبية والمحال التجارية، بسبب ترك عمال الحفر لأكوام القمامة إلى جانب المصارف دون حملها مما جعل من حركة تدفق المياه إلى المجاري صعبة للغاية.. هذا بجانب تكدس النفايات وأكياس القمامة بمصارف رئيسية. مكالمة هاتفية مكالمة هاتفية استقبلتها مكاتب (الأهرام اليوم) أبلغت من خلالها المواطنة (س) عن تأزمهم من خور الفتيحاب.. تحركنا صوب الموقع، كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً وعندما وقفت بي العربة.. أول ما يلفت الانتباه هنا هومنظر المياه الراكدة تغطيها حلقات الباعوض والطحالب الخضراء مع الرائحة الكريهة التي تتسرب خلسة إلى منازل سكان الحي.. الخور أصبح مقراً ثابتاً ومكباً للقمامة والأوساخ، تصب فيه بعض مجاري «البلاعات» ومياه الغسيل المتدفقة بفعل سكان الحي، وهناك مصارف خارجة من المنازل مباشرة تتخذ من ذات المصب مستقراً لها.. الأشجار تنمو بداخله، الخور أصبح وكراً للجريمة ومكاناً يسترزق منه الأطفال المشردون. سكان الحي أكدوا أنهم عثروا على ثلاثة أطفال لقطاء داخل الخور، أحدهم فارق الحياة واحتجزته المياه الراكدة وغيرت جسده إلى اللون الأسود وآخر وضع في كرتونة في عمق الخور وجد يصرخ والتقطه سكان الحي وحملته شرطة مربع (6) إلى القسم والثالث وضع في كيس وتركه ذووه تحت كوبري الخور الفاصل بين الأحياء، وتم إبلاغ الشرطة على حد قولهم. إنه خور الفتيحاب ويطلق عليه خور (الوالي) لأنه قام بحفره المتعافي بغرض تصريف المياه وأصبح عكس ذلك.. يبلغ عمقه ثلاثة أمتار يفصل بين مربع (7) مربع (4) تحده من الناحية الشمالية في بداية الخور دلالة عربات ومن الناحية الجنوبية توجد قطعان المواشي ويقع غربه شارع الشقلة وشرقاً البحر. المواطنة ملاذ محمد قالت ل( الأهرام اليوم): الخور أصبح مرتعاً للبعوض وفي المساء إذ حاولت أن تبعدها عن وجهك تنزل معاك عشرة. وقالت: أصبحنا نتمنى أن لا يأتي الليل فالهموم أضحت حليفنا عندالمغيب..!! ملاذ تمضي: بلغنا الجهات ذات الصلة بما فيها وزارة الشؤون الهندسية ووعدتنا بحل المشكلة.. وفي الأثناء التقطت كاميرا (الأهرام اليوم) مشاهد لمجموعة من الأطفال المشردين في قلب الخور يباشرون مهنة التفتيش عن الحديد الخردة بهمة لبيعه.. تسللت إلى أن وصلت إليهم وبدأ بينا حوار ممزوج بطعم الحاجة والبراءة وعلمت أنهم جاءوا من (بعيد).. قطعوا مسافات منذ الصباح الباكر صوب خور الفتيحاب الذي أصبح باب رزقهم..!! (قدومة) طفل عمره لا يتجاوز عشرة سنين يدرس بالصف السادس ويقطن ود البشير قال ل(الأهرام اليوم) أنه يأتي إلى الخور يوم ويغيب اليوم الآخر بسبب الدراسة. وقال إنه يجمع الحديد من الخور ويبيعه في سوق ليبيا من أجل أن يوفر (حق الفطور) لليوم الثاني، وأكد أنه يجمع من الخور (من 10 جنيهات إلى 20). و قال إنه لا يبحث في مقر غير الخور، أما الآخر ويدعي (أبو قرنبع) فهو أحد الأطفال المشردين سألته عن اسم والده فرد في سخرية حادة جداً: أنا ما بجيب اسم أبوي في الشارع وأبوي قاعد مرتاح في البيت. وقلت له أين تتلقى تعليمك قال إنه لم يلتحق بأي مدرسة قلت له لماذا رد: «مزاج». سألته ماذا يفعل بالمال، قال: «وإنتي عايزه بالقروش شنو ما تزهجينا خلينا نشتغل»..!! أما آدم من جبرونا فقال ل (الأهرام اليوم) إنه يقوم منذ الصباح ويفكر في المجئ إلى الخور للبحث عن الحديد وحصيلة دخله اليومي يعطيها لوالدته لزوم مصاريف البيت، وقال: ليس لي مكان سوى هذا الخور لأن كل الأوساخ التي تحملها عربات النظافة مكبها الخور.. أما البقية الباقية فقد طفقت تبحث عن رزقها داخل الخور لذلا لم يأبهوا بالحديث إليَّ.. كانوا يمارسون ذلك بلهفة وسباق نحو أكياس الأوساخ والكوش المرتفعة ولسان حالهم يقول: (رب ضارة نافعة)..!! لا توجد ميزانية ربة منزل تقطن قرب الخور قالت: أصبحنا نذهب ونأتي بين أم درمانوالخرطوم وأخيراً يقولون لا توجد ميزانية، اذهبوا إلى رئاسة الوزارة..!! جمعنا سكان الحي واستأجرنا عربة وذهبنا إلى الشؤون الهندسية ومع ذلك لم تحل المشكلة وعدنا بخفي حنين، ومن جانبها قالت المواطنة إكرام آدهم ل(الأهرام اليوم): معاناتنا لا توصف.. البعوض أذى سكان الحي، استعملنا العديد من المبيدات بلا جدوى. ومن ناحية اقتصادية لا نتحمل ذلك. وقالت إن الخور أصبح وكراً للجريمة بعد أن وجدنا فيه أطفالاً لقطاء ونحن نتخوف الآن أن تحدث داخله جرائم أخرى تسبب لنا العديد من المشاكل. ومضت بالقول: قمت بتصوير الخور في (CD) وذهبت به إلى والي الخرطوم، ووجه الوالي معتمد أم درمان بإجراء المعالجة وتمت النظافة ولكنها لم تكن بالشكل المطلوب..!! وفي ذات السياق قال المواطن محمد أحمد ل (الأهرام اليوم) إنه قام بإبلاغ السلطات أكثر من أربع مرات وآخر بلاغ كان بتاريخ 23/6، وقال إن المعتمد وقف على الأمر وترك الأمر لشباب الحي. وركب عربته وغادر ولم يرجع مرة أخرى. مواطن آخر حدثنا بأن نائب الدائرة وقف على الواقع وطالب شباب الحي بتنظيم حملة نظافة وغادر هو الآخر بلا عودة. واقع خور الفتيحاب ينطبق على خيران عدة داخل محلية أم درمان ومصارف تم حفرها مؤخراً بواسطة المحليات لكنها تركت تحيطها الأوساخ وأكوام القمامة التي أصبحت عائقاً أساسياً لتصريف مياه الأمطار. من المسؤول ومن داخل محلية أم درمان التقت (الأهرام اليوم) بالدكتور الشيخ البشير أبو كساوي، معتمد أم درمان وطرحنا عليه أمر مصرف الفتيحاب.. استمع إلينا المعتمد.. وطلب من إعلام المحلية عرض ال (CD) وطالبنا بمشاهدته قبل نظافة الخور و(CD) آخر بعد النظافة واستمر العرض نصف ساعة مع الشرح وما يزال معتمد أم درمان يشرح ويبعد عن محليتة شبح التقصير. أبو كساوي قال ل (الأهرام اليوم) إنهم قاموا بنظافة الخور أكثر من ثلاث مرات ونبهنا المواطنين إلى الحفاظ على نظافة المصارف وقلت لهم هذه مسؤوليتكم وطالبناهم بإيقاف المواسير والمصارف الممتدة من المنازل لكي لا تصب داخل الخور، ووصف ذلك بسوء الاستخدام. وقال ل (الأهرام اليوم) إن المواطنين لم يلتزموا بذلك وهذه في حد ذاتها مشكلة وحمل المعتمد المسؤولية للمواطنين واللجان الشعبية ولجان تنظيم وإصلاح القرى، وقال إن القانون وحده لا يوفر المعالجة ولابد من توعية السلوك السلبي عبر المنظمات المجتمعية والأجهزة الرسمية والرقابة والمتابعة، وكشف أبو كساوي عن وجود خيران عديدة داخل أم درمان بذات التدني وأرجع ذلك إلى انعدام الصرف الصحي وإلى قدم مدينة أم درمان، إذ يعتمد مواطنوها على المصاصات، وقال إن محليته بذلت جهداً كبيراً وصرفت الملايين على نظافة وحفر الخيران، قبل أن يسترسل: لا يمكن أن نوظف ميزانية الخدمات الصحية في معالجة الخيران..!!