{ رسائلي إليك ليست مقاعد من القطيفة تسترخي عليها وتبتسم.. فأنا لا أكتب لك كي أرضي غرور رجولتك، ولكني أكتب لك لتموت معي وتحيا معي وتجتهد في فهم تفاصيلي لتعرف إلى أين يجب أن تتوجه أبعادك وكيف يمكنك أن تخدم العلاقة بيننا. { ولكن يبدو يا سيدي - الرجل الشرقي - أنك لا تفتح بريدي إليك، ولا تطالعه إلا من باب الفضول والزهو، ليبقى الوجع الذي أضمنه خطاباتي معلباً، لا يصل إلى قلبك ولا تستشعره، لأني أعلم أنك لا تحب المعلبات، وتفضل عليها دائماً المشويات الساخنة المطبوخة فوراً لتتناولها طازجة بشراهة بغيضة. { وهذا هو السبب المباشر وراء اختلاف أيدلوجياتنا فأنت تختفي بالدسم في الطعام أكثر مما يعنيك كونه صحياً أم لا، وتهتم بعدد الأصناف ولا تكترث لشكل المائدة ولا ترتيب الصحون وتناغمها، إنك رجل عملي، هذا ما أورثتك إياه مفاهيمنا العقيمة، حتى أصبحت بالضرورة عملياً حتى في التعامل مع مشاعرك والأعزاء من حولك. { لهذ.. تجدني أعتذر عن الكتابة لك من جديد، فمخطوطاتي النادرة التي أكتبها بدمي وأعصابي وروحي لا تستحق أن يتراكم فوقها الغبار لأنك لا تقدرها كما يجب ولا تحبها كما يجب. وبينما يعتقد آخرون أن موهبتي في المراسلة خاصة وتستحق التعميم، أظل بسذاجتي المعهودة أكتب لك كل صباح رسالة حب «عارم وشوق مستعر» أحدثك أحياناً عن أحلامي فيك ولك وللوطن، أشكو لك سأمي وإحباطي وأبوح لك بأسراري وهمومي، وأعاتبك حيناً على إهمالك وسوء ظنك.. أكتب لك.. ما لا يمكنني أبداً أن أكتبه للآخرين.. ظناً مني أنك غير كل الآخرين، ولكن هيهات، فأنت مثلهم تماماً، بلا مبالاتك، واستخفافك، وابتسامتك الباهتة وردود أفعالك غير المتوقعة، وسلبيتك، ورهانك الخاسر على ولعي بك وتدللي في حبك. { لا يا سيدي.. لا يمكنك - مهما ادعيت الإحاطة، أن تتوقع ما بإمكاني أن أحدثه من ثورة على خضوعي لك وإذعاني لسطوتك، وبهذا أود أن أعلمك أنني قد قررت الإقلاع عن إدماني للكتابة لك، سأجتهد ما استطعت في سبيل الشفاء، وأعلم أن ذات الطاقة التي ساعدتني على التمسك بك وفرضك على واقعي، ستعنيني على إلقائك وراء ظهري وتجاوزك بقلب ينكسر ولكن لا يموت. { فلتجث لك إذاً عن أخرى غيري تربت على غرورك وتشحذه بكلمات كتلك التي كتبتها لك يوماً، أخرى تدلل رجولتك وتقدس خواءك، وتتغاضى عن نقائصك الكثيرة.. ولتعلم أنها مثلي، ستصحو يومها من غفوتها لتعلن التمرد على إحساسك الميت وحين تفكر في البحث عن أخرى سواها من جديد ستكتشف أن كل نساء الأرض قد أصبحن مدركات تمام الإدراك لعجزكم كرجال عن تمام الإحساس بإنسانيتهن الشفيفة وعواطفهن الجياشة وحنانهن النادر، وستندم - حيث لا ينفع - على كل رسالة تجاوزتها على عجل ولم تتمكن من فهم طلاسمها وفك أسرارها وحينها سيكون الصمد قد مضى بك وستصبح مجرد كهل مقيت متصابي تلهو به الفتيات لأنه لم يتعلم في شبابه أبداً ماهية الحب الحقيقي. { تلويح: الرسائل التي لا تصل إما أنها أخطأت العنوان.. أو أنها لم تكتب بعد، أو أرسلت .. لرجل.