كثيراً ما يستنتج الشموليون في العالم الثالث، الذي هو معقلهم الرئيسي الآن بعد أن سقط الاتحاد السوفيتي وتوابعه في أوروبا الشرقية أواخر ثمانينات وأول تسعينيات القرن الماضي، يستنتجون استنتاجات خاطئة إزاء بعض ما يجري من حوادث في العالم الأول. فالتظاهرات مثلاً في فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية، والهتافات المعادية للرئيس ساركوزي أو المستشارة ميركل أو رئيس الوزراء كاميرون أو الرئيس أوباما، معناها من وجهة النظر الشمولية إخفاق نظم الحكم في تلك الأقطار وضرورة تغييرها، وليس ذلك صحيحاً بالمرة، فالحاكم هنا جزء من النظام، ومن الممكن أن يذهب، وهو يذهب بالفعل، لكنه يذهب بالانتخابات، أو لأن فترة ولايته انتهت، لكن النظام باقٍ. بعكس الحال عندنا في العالم الثالث، حيث أن الحاكم هو النظام والنظام هو الحاكم، ولذلك فإن المطالبة برحيله هي مطالبة في نفس الوقت برحيل النظام. ولذلك من الممكن بل من المؤكد أن يأتي آخرون بدلاً عن ساركوزي وميركل وكاميرون وأوباما، لكن نظم الحكم في هذه الدول تظل كما هي، نفس الدستور ونفس البوندستاج والجمعية الوطنية ومجلس العموم والكونجرس، ونفس الديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته، ويبقى كل ذلك، ثم إنه قابل للتطوير. ونتذكر أنه عندما تنحت تاتشر رئيسة الحكومة البريطانية أول التسعينيات، هلل الإعلام في كثير من الدول الشمولية ومنها العراق، وصوروا رحيلها كما لو أنه انتصار لهم، لكنها ذهبت ليأتي ميجور ثم بلير ثم براون ثم كاميرون، والنظام هو نفس النظام، ولكن عندما أُبعد الرئيس صدام حسين من الحكم تغير النظام جملة وتفصيلاً، وقِس على ذلك. لكن الشموليين لا يقرأون، وحتى عندما يقرأون فإنهم يكابرون، ولذلك نرى كيف أنهم مبتهجون بالتظاهرات والاحتجاجات التي حدثت في بريطانيا الأيام الماضية، وتصوروا أنها انتصار لهم ولحكوماتهم، وذلك أيضاً ليس صحيحاً بالمرة. لقد فرح الليبيون والإيرانيون مثلاً بما جرى ويجري في بريطانيا، وتعمدوا أن يفهموه على هواهم، وذكرت جريدة «الشرق الأوسط» في عددها الصادر الخميس الموافق 11 أغسطس نقلاً عن وكالة الأنباء الليبية الرسمية أن نائب وزير الخارجية الليبي خالد كعيم قال «على كاميرون وحكومته الرحيل بعد المظاهرات الشعبية الرافضة له ولحكومته خاصة بعد القمع العنيف الذي سلّطه بوليس حكومته ضد المشاركين في المظاهرات السلمية، وطالب المجتع الدولي ومجلس الأمن بعدم الوقوف مكتوفي الأيدي تجاه هذا الاعتداء الصارخ على حقوق الشعب البريطاني وهاجم الرئيس الإيراني نجاد السلوك الوحشي للشرطة البريطانية»!! وهناك بعض الحقيقة في كلام المسؤولين الإيرانيي والليبي، لكن الاستنتاجات خاطئة، والمقارنة بين القدر المتاح من الحرية في بريطانيا من جانب وفي كل من ليبيا وإيران من جانب آخر ليست واردة إطلاقاً.