{ لم يخل شهر رمضان المبارك من ذلك السباق المحموم بين القنوات الفضائية واجتهادها في سبيل إدهاش وإمتاع المتلقي الذي يسعى في كثير من الأحيان لملء فراغه وإلهاء نفسه في متابعة برامجها بما يسهم في دوران عقارب الساعة دون أن يشعر كثيراً بالظمأ أو الجوع..! وإن كان لنا بعض تحفظاتنا على ثقافة الإلهاء والتلاهي هذه على اعتبار أن هذا الشهر الكريم فُرض علينا لدواعٍ إيمانية بحتة تتطلب التفرغ التام للعبادة وقضاء الوقت في التقرب إلى الله عسانا نطهّر أنفسنا ونغسل بعض أوزارنا وننقي دواخلنا بهذا الحرمان. { والمتأمل لمشهد السباق هذا داخلياً والذي ينعقد ما بين حوالي التسع قنوات فضائية سودانية سيجد نفسه لا شعورياً قد أسقط بعضاً منها من خارطة تجواله اليومي عبر الريموت كنترول، لينحصر التنافس غالباً بين حوالي أربع قنوات تبين منها اثنتان عند اللفة الأخيرة هما قناتا «النيل الأزرق» و«قوون» ثم تفوز الأولى بالسباق كالعادة لأسباب تتعلق دائماً بتكنيك العمل وضبط الصورة ومعدل الجذب والتنوع الثر والاعتماد على عقول خلاقة ودماء شابه قادرة على الابتكار. { و«قناة النيل الأزرق» التي تتسيد المشهد الفضائي السوداني تتميز بمفهوم عالٍ للتعاون والتفاني في العمل بروح الجماعة. فإذا قدر لك أن تكون ضيفاً على برنامج «ليالي على النيل» الأشهر في خارطة برامجها لرمضان الأخير هذا مثلاً، فسيدهشك أن تجد في ما بعد منتصف الليل الجنرال «حسن فضل المولى» في استقبالك شخصياً، وهو يرحب بك أيما ترحيب ويحتفي بك على نحو يشعرك بالزهو، إلى جانب طاقم ممتد من المنتجين والمخرجين والعاملين، بعضهم غير ذي صلة بالبرنامج تحديداً ولكنهم يمعنون في الحفاوة والابتسام والعمل الدؤوب وكأنهم خلية من النحل في وضح النهار، وكل منهم يعلم دوره تحديداً ويسعى للقيام به على الوجه الأكمل. لتبقى أنت مستمتعاً جداً بحركتهم النشطة تلك وخدماتهم الجليلة حتى يطل عليك من وراء الكواليس «الحصان الرابح» «سعد الدين حسن» ذلك المذيع الألمعي الشامل بثقافته الثرة وحضوره الطاغي وثقته الكبيرة بنفسه وقدرته الفائقة على ضبط الحوار وتوزيع الأدوار. { و«سعد الدين» وحده يُعد سبباً كافياً لتميز قناة «النيل الأزرق» وفوزها بالسباق الفضائي دورياً، فالرجل أصبح ماركة إعلامية مسجلة لا يختلف اثنان على إبداعه الكبير إلى جانب تواضعه الجم وروحه السمحة. وهو الذي يبادر بالترحيب بك حيث أنت ويتبادل معك الحديث بحيث يكسر حاجز التوتر ويشعرك بالارتياح الكامل والاطمئنان. { بالمقابل تجدني أقف كثيراً عند تجربة المذيع الطموح والمتألق «حسام محيي الدين» صاحب (لمّة الحبايب) الحميمة بقناة «قوون» والذي يعتبر أيضاً حصاناً رابحاً أصيلاً يجيد فن الحوار ويتقن اللغة العربية السليمة السلسة ويتمتع بطلة أنيقة وحضور مريح وجميل..، و«حسام» الذي تراهن عليه «قوون» هذا العام يكون أفضل ما يكون وهو ينداح عبر المنتديات الثقافية، إذ قُدر لي أن أشهد سطوته وإبهاره لمرتادي منتدى (فلاّح) الثقافي وهو يسجي المعلومات ويرسل العبارات الأنيقة «فيشد» الجميع بأسلوبه الخاص وحضوره الكثيف، وكم ساءني أن تحاول بعض الأقلام المتسلقة مناوشته والنيل منه من باب النقد للنقد وهو أحد الأسباب الرئيسية في تردي مستوى الصحافة الفنية لدينا لأن بعض ممتهنيها لا يتمتعون بالحياد الكافي ولا المهنية الخالصة بحيث يحاولون إضفاء انطباعاتهم الشخصية والتنفيس عن أحقادهم عبر المساحات المتاحة لهم في تلك الصفحات البائرة. { وقد يكون وجه الشبه بين «سعد» و«حسام» مع فارق الخبرة وعمر التجربة، أنهما الاثنان يتمتعان بطموح كبير ويتعاملان مع الأمر باحتراف عالٍ، لذلك تجدهما يجتهدان في تطوير ذاتيهما باستمرار، علماً بأن حسام محيي الدين لا يكف عن التصريح بكل صدق عن أن مثله الأعلى في دنيا الإعلام وفن التقديم هو حصان النيل الأزرق الرابح «سعد الدين حسن»، الذي قُدر له أن يوجد حيثما وجد الجمال وأفردت مساحات الإعلام الهادف بمضامينه القيمة. { تلويح: التحية لكل العاملين بقناة النيل الأزرق وعلى رأسهم الأستاذان «مجدي عوض صديق» و«أيمن بخيت» لرؤاهما الإخراجية المختلفة وتعاملهما الراقي واللطيف.