يعيش رجل الأعمال المعروف والوزير السابق محمد إدريس محمود هذه الأيام تجربته مع المرض ويتلقى العلاج بالمستشفى، وكنا لاحظنا أن معظم أو كثيراً من الناس موعودون أو أنهم عاشوا تجاربهم مع المرض، فهذه هي سنة الحياة وهذا هو قدر الجميع ومن القلب نسأل الله أن يجتاز الأستاذ محمد إدريس محمود هذه التجربة وإن كانت الشجاعة ضرورية لاجتيازها فإنه يحمل منها الكثير وربما أكثر من اللازم وفى الخاطر وقفته الأسطورية عصر 22 يوليو 1971م فقد كان وزيراً فى الحكومة المايوية التى ترأسها بابكر عوض الله. ولما نفذ الشيوعيون انقلابهم العسكري عصر يوم 19 يوليو فإنهم لم يعتقلوا الوزير محمود لكنهم طلبوا منه أن يبقى فى منزله بودنوباوي وفي يوم 22 يوليو وبينما كانت الدانات تهدر فى الشوارع غافل الوزير حارسه وقاد سيارته المرسيدس واتجه نحو الخرطوم وعند خور أبوعنجة قرب مدرسة المؤتمر لمح دبابة قادمة من الخرطوم فترجل من سيارته وامتطى الدبابة مع طاقمها وقد اقتحمت هذه الدبابة مبنى الإذاعة والتلفزيون وأمسك محمد إدريس محمود بالمايكرفون مبشراً الشعب بعودة نميري وفي ما بعد قال لي الوزير الخارق إنه فى تلك اللحظة لم يكن يعرف شيئاً عن مصير جعفر نميري. وفجأء أطل نميري وكان مرهقاً وكان واضحاً أنه أيام كان معتقلاً بالقصر الجمهوري وتعرض لأفظع أشكال الضرب، ودعا محمد إدريس محمود الرئيس نميري ليتكلم لكنه طالبه بالاستمرار فقد كان فى أعلى درجات الإعياء واستمر الوزير يتكلم ثم بعد فترة قصيرة أمسك نميري بالمايكرفون ليشكر شعبه العظيم الذي دحر الانقلاب الشيوعي. ومحمد إدريس محمود من إحدى أعرق العائلات بودنوباوي وعرف وزامل وصادق جعفر نميري الذي أقامت أسرته فى نفس الحي ودرسا معاً فى خلوة الخليفة حسن سوار الذهب وفى مدرسة الهجرة الأولية ولعبا الكرة معاً في ذلك العمر الغض وكان نميري مهاجماً وكان محمد إدريس هو حارس المرمى وواصل محمد إدريس تعليمه إلى أن أصبح محاضراً بالمعهد الفني جامعة السودان الآن ثم استقال من المهنة الرفيعة ليدخل السوق وقد سبقه إلى هذا المجال أشقاؤه الفاضل ومحمود وبشرى واستطاع أن يحقق فى التجارة نجاحات مشهودة. وما أكثر مواقفه الوطنية الشجاعة أيام كان وزيراً فى حكومة بابكر عوض الله مطلع سبعينات القرن الماضى وكان دوماً رجلاً محترماً (ملا هدومه) كما يقال، وكنت أقول له فى لقاءاتى الكثيرة معه، سواء فى بيته بحلة كافوري أو بمكتبه بالخرطوم وفى بيوت الأهل بودنوباوي، إن مسيرته المثمرة الناجحة المتميزة الشجاعة تستحق أن توثق فى كتاب. ونكرر أننا من القلب نتمنى أن يجتاز محمد إدريس محمود هذه التجربة وأن يعود سليماً قوياً مثلما كان طوال حياته الباهرة.